| شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية)2( | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
MAXMANوطن الحب Admin
المساهمات : 116 تاريخ التسجيل : 18/03/2008
| موضوع: شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية)2( 2008-04-08, 10:43 | |
| بحث في أهمية الحسبة في إقامة الشرائع والتحذير من الشرك
ثم معلوم أيضا أن فروع الشرائع تعتبر من العبادات. وكذلك فروع الشرك تعتبر من المحرمات وتعتبر من المنكرات فتتبع ذلك في الاحتساب والأمر والنهي، فيقال: من دعا إلى التوحيد، دعا إلى الصلوات دعا إلى الصدقات، ودعا إلى الجماعات ودعا إلى الزكوات وأداء الواجبات فيها وأجل أداء النفقات المعنية، ودعا إلى حفظ الصيام والمحافظة عليه وحفظ الحج والعمرة وما يتصل بهما وحفظ الجهاد وما أشبهه، فإن هذا كله من فروع التوحيد ومن مكملاته؛ لأن هذه من أنواع العبادة التي تدخل فيما أمر الله به في قوله تعالى: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . فهذه من العبادات يقال: إذا عرفنا أن التوحيد هو إخلاص العبادة فإننا نأمر بتكميل العبادات كلها وتحصيلها حتى يكون صادقا في أنه عَبَدَ الله تعالى بما شرعه وبما أمر به، ويضاف إلى ذلك أيضا العبادات المستحبة التي هي من جنس العبادات الواجبات فكلها داخلة في المعروف وتركها أو التساهل بها يؤدي إلى عدم الاهتمام بحق الله تعالى. شرع الله تعالى الفرائض وشرع من جنسها نوافل، فقال تعالى في الترغيب في العبادات: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً هذا من النوافل يعني الزيادة في الدعاء تضرعا وخفية فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ هذا من الفرائض إخلاص الدين لله تعالى. شرع الله تعالى جنس الصلوات خمس صلوات هذه من الفرائض، وشرع من جنسها نوافل، ومدح الذين يحبونها ويحسنونها والذين يتمسكون بها ويكثرون منها، مثل قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا يعني جنس صلاة الليل وجنس النوافل النهارية والليلة. نقول: إنها كلها من الأمر بالمعروف الأمر بها أمر بالمعروف لأنها مما يحبه الله تعالى ومن كمال عبادة الله وحده، فإذا عرفنا أن الفرائض التي أمرنا بها من جنسها نوافل نأمر بهذه ونأمر بهذه، وهكذا أيضا يقال في بقية الفرائض؛ يعني مثل فريضة الصلاة هناك صلوات مكتوبة، فريضة الزكاة هناك زكوات وصدقات غير مكتوبة يعني زائدة على ما هو فرض، ومثل فريضة الصيام يتقرب بجنسها وكذلك فرائض الذكر يتقرب بجنسها، والحاصل أن جنس هذه والمواظبة عليها من جنس ما يحبه الله تعالى وما يدعو إليه وما رغب فيه. كذلك أيضا إذا عرفنا ما يت*** بالمعروف فكذلك أيضا نعرف أن من جنس ذلك أيضا ما يت*** بالمنكر؛ فإن المنكرات الشركيات والبدع والمعاصي والمحرمات من المآكل ومن المشارب وما أشبهها لا بد أن يتجنبها المسلم كلها. فيبدأ مثلا بالنهي عن الشرك، ثم بعد ذلك يقال من تمام ذلك النهي عن البدع، ومن تمام ذلك النهي عن المعاصي فإن الشرك والتوحيد متضادان وإن البدع قادحة في عبادة المسلم قادحة فيها وسالبة لها ومبطلة لأجرها، وإن المعاصي منقصة لثوابها فلا يتم الاحتساب إلا بها كلها؛ يعني بترك البدع والمعاصي زيادة على ترك الشركيات. فمعروف أن المعاصي متنوعة والبدع أيضا متعددة، ويقولون: إن البدع أحب إلى الشيطان من المعاصي لأن المبتدعة يتمسكون ببدعهم معتقدين أنهم على الصواب، وأن الحق في جانبهم، وأنهم أولى بأن يكونوا على الحق وعلى الدين. فلأجل ذلك يُسعى كثيرا في النهي عن البدع والتحذير منها سواء البدع العقدية أو البدع العملية؛ يكثر الدعاة إلى أنواع البدع الاعتقادية. فيوجد مثلا أن المعطلة الذين ينفون الصفات يدعون إلى بدعتهم، ويسمون من يدعو ومن يتمسك بالسنة كإثبات أسماء الله تعالى وصفاته يسمونهم حشوية ومجسمة وغثاء وغثرا ونوابت وما أشبه ذلك، جهاد هؤلاء ودعوتهم من أوجب الواجبات. وكذلك أيضا الذين يسهلون أمر الذنوب ويدعون أن المعاصي لا تضر الموحد وهم الذين يسمون المرجئة، جهادهم دعوتهم والتحذير من عقيدتهم وإبطال شبهاتهم حتى لا تتمكن من النفوس. كذلك أيضا الذين يكفِّرون بالذنوب ويخرجون المسلم ولو عاصيا من الإيمان بمجرد المعصية، وهم الخوارج أو الوعيدية ونحوهم، جهادهم أيضا واجب؛ بدعتهم بدعة كبيرة؛ وذلك لأنهم يؤيسون العصاة من التوبة ويكفرونهم ويستحلون دماءهم وأموالهم ويحكمون بتخليدهم في النار والعياذ بالله. فلا شك أن جهادهم وأن دعوتهم من أوجب الواجبات، وهكذا يقال في بدعة الروافض وفي بدعة المتصوفة وفي بدعة القبوريين الغلاة في أهل القبور والأموات وما أشبههم، فإذا عرفنا أن الدعوة إلى الله تعالى التي هي دعوة الرسل جاءت بالدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك، والدعوة إلى السنن والنهي عن البدع، والدعوة إلى الطاعات والنوافل والنهي عن المعاصي فإن علينا أن نحتسب ونأتي بما نقدر عليه من هذه الأمور؛ يعني نحتسب الدعوة إلى الله تعالى ونأمر بما نقدر عليه من الطاعات والعبادات، ونحافظ على ما نقدر عليه من السنن والنوافل، وأهم شيء الدعوة إلى ترك المعاصي والمحرمات التي كثرت وقل من ينتبه لها، بل وكثر الذين يدعون إليها ويحبذونها ويوسعون المجال فيها، وقلَّ من ينتبه لهم ويرد عليهم ويبطل دعاياتهم.
-4- بحث في انتشار الدعوة إلى الباطل والتحذير منها
ينتشر كثيرا الدعوة إلى – مثلا - الاختلاط الرجال بالنساء، وأن هذا أمر عادي، وأنه واقع في كثير من الدول أن المرأة تدرس إلى جانب الرجل، وأنها موظفة إلى جانبه وأنه لم يقع مع ذلك شيء من المنكرات وما أشبه ذلك، نقول: إن إنكار هذا من جملة ما يجب على المحتسبين، وأن هذا ولو استحسنه من استحسنه ولو دعا إليه من دعا إليه ممن انتكست فطرهم وتغيرت أفهامهم، فإنهم لا يتخذون قدوة وليسوا على حق وصواب. وتكثر أيضا النشرات في تسهيل الأمر للمرأة أن تخرج، وأن تحتك بالرجال، وأن يكون لها مجتمعات كما يحصل للرجال مجتمعات وأن تتصرف في نفسها، ولا شك أن الذين يدعون إلى ذلك لهم أهداف سيئة، قصدهم بذلك أن يمتعوا أنظارهم وأن يقضوا أوطارهم وأن يتمكنوا من نيل شهواتهم المحرمة على ما يريدون؛ لأنهم مع حالة المسلمين التي هي التحجب والاستتار واحتفاظ المرأة بنفسها وما إلى ذلك لا شك أنهم لم ينالوا ما يريدون؛ فكان من أسباب ذلك أن شرعوا في هذه الدعوة. نقول: إن هؤلاء على باطل ومع ذلك فهم ينشرون نشراتهم ويرسمونها مثلا في صحفهم ويعيبون علينا؛ يعيبون على النساء المسلمات تحجبهن وتحفظهن ولبسهن اللباس الساتر وما إلى ذلك، فكيف مع ذلك لا ينتبه أهل الحق وينكرون مثل هذا المنكر؟! لا شك أن هذا مما يجب على أهل الحسبة أن يسعوا في إنكاره وتخفيفه، وهكذا أيضا تنتشر الكثير من المعاصي اختطاف النساء وفعل الفواحش بهن في مجتمعات أو في أماكن خاصة أو عامة أو ما أشبه ذلك، لا شك أن هذا من جملة أو من أكبر المنكرات التي تمكنت وظهرت في البلاد. وإذا غفل الناس عنها انتشرت وصعب تلافيها، فالمحتسبون عليهم أن ينتبهوا لذلك، وأن ينكروها بقدر ما يستطيعون، وبذلك يحصل الاحتساب في تغيير هذه المنكرات. فأما مع الغفلة فإنهم لا شك سيندمون عندما يتمكن العصاة وعندما تتمكن المنكرات، وبكل حال فإن هذه من الاحتساب الذي ذكره الله تعالى والذي دعا إليه ننتبه إلى مثل ذلك.
-5-
عظم أجر المحتسب
موضوع الحسبة: في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك الاحتساب في الولايات التي يتولاها المسلم، ويقصد بها نفع المسلمين فيدخل في ذلك كل ولاية دينية يقصد منها نفع الإسلام وأهله، ولكن إذا كان موظفا حكوميا يتقاضى على ذلك مرتبا ورزقا كان عمله آكد وكانت مسئوليته أكبر، فإذا كان محتسبا فالغالب أن نفعه يكون أكثر كما أن أجره يكون أعظم؛ إذا احتسب الإنسان مثلا بالتعلم أو بالتعليم كان نفعه أكثر وأجره أكثر إذا احتسب الإنسان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطوع لله في ذلك كان عمله خالصا لله وكان الأجر عليه أكثر. وذلك لأن الذي لا يكون كذلك يخشى أن يكون عمله لغرض دنيوي فيفسد عليه قصده ونيته، كذلك أيضا إذا احتسب وجاهد في سبيل الله بدون أن يأخذ على ذلك رزقا أو يأخذ على ذلك جراية أو نفقة كان أجره أكبر إذا كانت نيته صالحة، كما سمعنا في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الرجل يجاهد حمية ويجاهد للمغنم ويجاهد رياء أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله فهذا هو المحتسب الذي قاتل في سبيل الله لا لدنيا، ولكن للدين طلب الأجر من الله لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر. ويقال كذلك فيمن سعى في الإصلاح بين الناس يقال هذا محتسب؛ حيث إنه يسعى في إصلاح المجتمعات ويصلح بينهم عندما يكون هناك شقاق أو نزاع أو نحو ذلك، ويقال كذلك في المحتسب الذي ينصح العصاة ويردهم إلى الصواب؛ إذا رأى مثلا من يترك الصلاة نصحه إذا رأى من يشرب الدخان، إذا رأى من يحلق اللحية مثلا أو يسبل الثياب، إذا رأى من يتعاطى مسكرا إذا رأى من يسبل ثيابه ونحو ذلك، كذلك جميع المعاصي فيأتي إلى هذا ويقول: سمعت أنك هاجر أخاك، سمعت أنك قاطع رحمك، سمعت أنك عاق لأبويك ولأقاربك وما أشبه ذلك، فاحتسابه ونصحه ودعوته تعتبر من الأجر الكبير مما يترتب عليه الأجر. كذلك أيضا احتسابه في الدعوة إلى الطاعات؛ الدعوة إلى العبادات وإلى الصلوات وإلى النفقات في وجوه الخير وما إلى ذلك، كل ذلك إذا احتسب الأجر فإن الله تعالى يثيبه على ذلك ثوابا عظيما. أما الذي يقتصر على نفسه، ويقول: لست مسئولا ولست مكلفا والأمر قد وكل إلى غيري وهناك من وكل إليه القضاء، وهناك من وكل إليهم الإصلاح، وهناك من وكلت إليهم الدعوة، هناك من وكل إليهم التعليم وما إلى ذلك؛ فيرى المعاصي وأهلها ولا يدعو إلى تركها ولا يأمر بتركها ويرى المنكرات ويرى ترك الطاعات، نقول: إن هذا بلا شك قد ترك شيئا حقا عليه ولو لم يكن فرضا لكن فاته الاحتساب فاته الأجر الذي يترتب عليه، فإن من فعل ذلك محتسبا حصل له أجر وأما من فعله كأداء وظيفة فإن أجره تعجله وهو ما أخذه مقابل عمله من الحطام ومن الأجرة الدنيوية. ففرق بين المحتسب الذي يفعل هذه الأعمال طواعية لله وطلبا للأجر، وبين غير ذلك ممن يفعله طلبا لما عند الله تعالى، فهذا هو موضوع هذه الرسالة ويأتينا تفصيلها في مواضع إن شاء الله في الولايات وما يجب على كل وال في عمله الذي ولي إليه.
-6- | |
|
| |
MAXMANوطن الحب Admin
المساهمات : 116 تاريخ التسجيل : 18/03/2008
| موضوع: رد: شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية)2( 2008-04-08, 11:07 | |
| حث الإسلام على الولاية وطاعة ولي الأمر
السلام عليكم ورحمة الله. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قد عرفنا أن مما جاءت به الشريعة الولايات والإمارات العامة والخاصة وبيان ما يدخل في كل ولاية وما يلحق بها وما يكون الوالي مسئولا عنها، وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ما من ثلاثة يخرجون في سفر إلا يؤمرون أحدهم أو كما قال أي يولون أحدهم ولاية خاصة بأن يكونوا تابعين له وهو أمير عليهم، فإذا كان هذا في الثلاثة وفي المسافرين ونحوهم، فكذلك أيضا في غيرهم، فلا بد أن يكون كل فرقة يجعلون لهم أميرا ورئيسا يولونه أمرهم ويمشون على رأيه وتدبيره. وقد أمر الله تعالى بطاعة ولاة الأمور، وجعل طاعتهم من طاعته وطاعته من طاعة الله فيقول -صلى الله عليه وسلم- من أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني كان -صلى الله عليه وسلم- يبعث أمراء يوليهم على من معهم، ومع ذلك فإنه يأمرهم بالمشاورة ويأمرهم بأن يطيع بعضهم بعضا، لما أرسل مرة اثنين قال لهما: يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا يحذر من الاختلاف فيما بينهم ويأمر بأن يطيع أحدهما الآخر، وكذلك إذا كانوا أكثر من اثنين يطيع بعضهم بعضا ولا يختلفوا، وكذلك أيضا أرسل مرة أحد أصحابه في سرية أميرا على تلك السرية وأمرهم بأن يطيعوه أمرهم بأن يطيعوا أمره، ولكن جعل الطاعة في المعروف قال: إنما الطاعة في المعروف أي فيما هو معروف في الطباع ومعروف في الشرع ومعروف في العادات، ولا تجوز الطاعة فيما خرج عن ذلك؛ ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فطاعة الخالق مقدمة على كل أحد ؛ طاعة الرب سبحانه وتعالى وكذلك طاعة رسوله مقدمة، ولهذا فسر العلماء قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فقالوا أولو الأمر؛ أي الذين لهم ولاية ولهم أمر على من تحتهم يطيعهم أتباعهم، ولكن طاعتهم مسبوقة بطاعة الله وبطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولهذا قال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فكرر لفظ أطيعوا ثم قال: وأولي الأمر منكم، لم يقل: وأطيعوا أولي، الأمر فدل هذا على أن ولاة الأمر إنما يطاعون في المعروف. ولا شك أن في طاعة ولاة الأمر وعدم معصيتهم مصلحة عامة للمولى عليهم؛ وذلك بأن بولايتهم يحصل الأمن في البلاد ويحصل اطمئنان والحياة الطيبة، وبفقد الولاية فتصبح الأمور فوضى لا يرتدع أحد عن أحد ولذلك يقول بعض الشعراء: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا ســراة إذا جهــالهم سـادوا
تهدى الأمور بأهل الرأي إن صلحت وإن فســدت فبالأشـرار تنقــادُ
فلا يصلح الناس، ليس لهم قادة يقودونهم ويتولون أمورهم، وما ذاك إلا أن بولاية الأمر بولاة الأمور يؤخذ على يد الظالم ويقهر المعتدي ويحجز المتعدي، وبفقدهم بفقد الولايات يعتدي القوي على الضعيف وتظهر المعاصي والمنكرات وتستباح الأموال، ويحصل النهب والسلب ويصبح الضعفاء نهبة وألعوبة لمن هو أقوى منهم ولا يقدرون على الانتقام ولا على الانتصار ولا على أخذ حقهم، لا شك أن هذا فيه مفاسد عظيمة؛ هذا من حيث العموم. أما من حيث الخصوص فإن هناك ولاة خاصة ولايتهم، ولكل منهم مسئولية عما تولاه فمثلا: أئمة المساجد وخطباؤها يعتبرون ولاة على المساجد؛ بمعنى أنهم مأمورون بأن يواظبوا على هذا العمل، وبأن ينظروا في أحوال المصلين ويتفقدون أحوالهم وينظرون فيمن يواظب على العبادة ويشهدون له بالخير والصلاح، وينظرون إلى المتخلفين وإلى المتأخرين مثلا عن هذه العبادات ويقومون بنصحهم وتوبيخهم وتعليمهم، ويأخذون على أيدي السفهاء والجهلة الذين يعاندون والذين يخرجون عن الطواعية، وكذلك أيضا يقومون بولايتهم التي تولوها؛ فيحافظون على المواقيت يحافظون على الأوقات ولا يضرون المأمومين ولا يشقون عليهم، وكذلك أيضا يحرصون -إذا كانوا خطباء - على تعاهد المأمومين والمصلين وتعليمهم ما يجهلونه وبيان ما ينقصهم والبيان على الحالات التي ينبغي التنبيه عليها. لا شك أن هذا مهم وبه يحصل خير كثير؛ ولذلك يشترطون في الإمام شروطا؛ يشترطون فيه العلم والعقل والمعرفة والأمانة والمواظبة والقراءة وما أشبه ذلك، وهكذا أيضا يشترطون في المؤذنين يشترطون أن يكون المؤذن أمينا وأن يكون عالما بالمواقيت وأن يكون مواظبا على عمله وما أشبه ذلك؛ لأن الناس يأتمنونه ويعملون بإرشاداته كل ذلك مما فيه مصلحة عامة أو مصلحة خاصة. وكذلك أيضا من الولايات التي يقام بها أو يلزم تعيين من يقوم بها ولاية الحكام ولاية الحاكم الذي يقضي بين الناس ويفصل بينهم، ويظهر الحق ويبينه ويرشد إليه لا شك أن هذه أيضا ولاية لها أهميتها. وتعتبر أمانة لمن التزم بها؛ ولذلك قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ يخاطب هؤلاء الذين يحكمون بين الناس يأمرهم بأداء الأمانات أي: أن هذه الوظيفة أمانة اؤتمن عليها هذا الوالي، ثم عليه إذا تصدى للحكم أن يعدل في الحكم، وأن لا يميل مع أحد خصمين، وأن يتحرى الصواب ولا يقدم هذا على هذا، وكل ذلك لبيان أن هذه وظيفة عظيمة عظيم شأنها. ولذلك يشترطون فيه -فيمن يتولى هذه الولاية- يشترطون فيه: الذكورية والحرية والعقل والبلوغ والعلم والاجتهاد والمعرفة والأمانة الأمانة العامة، وكذلك أيضا يذكرون أيضا فيه صفات لا بد من توفرها فيقولون: لا بد أن يكون حليما ذا أناة، وأن يكون قويا من غير عنف، وأن يكون لينا من غير ضعف فلا يكون لينا كثيرا بحيث يطمع المدلس والعاصي في جوره، ولا يكون قويا شديد القوة بحيث لا يطمع الضعيف في أخذ حقه منه، ولا يكون حقودا ولا غضوبا ولا شرس الأخلاق ولا سيئ المعاملة ولا فاجرا ولا فاسقا، هذا دليل على أن هذه الولاية ولاية عظيمة لها مكانتها وأهميتها. كذلك أيضا إذا تولى الإنسان ولاية تعليم مثلا وتأديب ونحوه فإن هذه أيضا تعتبر ولاية عظيمة؛ الذي يعين أو يتصدى لأن يكون معلما لصغار أو لكبار أو لذكور أو إناث لا بد أيضا أن يشعر بأنه مؤتمن أمانة كبيرة، ويشعر بأنه محاسب على هذه الأمانة، وأنه لا بد أن يؤديها أتم الأداء وأن يقوم بها خير قيام، ويشترط له أيضا ما يشترط في غيره فلا بد من العقل ولا بد من البلوغ الذي يكون به عاقلا متكامل العقل، ولا بد من السمع الذي يتمكن به من أن يقوى من أن يفقه ما يقال، ولا بد من التمييز والفهم والمعرفة لما أسند إليه من هذه الأمور التي هي أمانة. وكذلك أيضا لا بد أن يشعر بأنه مأمور بأن يؤدي هذه الأمانة وليس مجرد أن يتجاوز الامتحان مثلا أو يتجاوز التعيين، لا بد أن يشعر كل مكلف وكل مُولى بولاية يشعر بما هو مُولى عليه ومسئول عنه. هذا حقيقةً هو أثر هذه الولاية. ولا شك أيضا أن الولاية هذه تستدعي النصح؛ النصح للأمة، بل كل ولاية تستدعي نصح الولاة للمولى عليهم؛ ولذلك ذكروا أن جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- كان مقيما في العراق في الكوفة وكان أمير الكوفة المغيرة بن شعبة فلما توفي المغيرة وبقيت البلاد ليس فيها أمير خطبهم جرير وكان ممن أسلم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وروى عنه أحاديث فأخبرهم بقوله: إني بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم، فأقسم بأنه ناصح لهم؛ أي أنني لا أغش ولا أخدع ولا أترك النصيحة لكل مسلم. وقد تعهد عليّ النبي -صلى الله عليه وسلم - بذلك هكذا أخبرهم، فالنصح للمسلمين يعم جميع الأفراد، ولكن من تولى ولاية خاصة فليس له أن يميل مع أحد بل ينصح لهؤلاء ولهؤلاء ويكون قوله فصلا دون أن يكون عنده ميل أو حيف أو تحيز وتمايز مع أحد دون أحد هذا هو الواجب على كل والٍ. ولا شك أيضا أن من جملة الولايات التي لها أهميتها ولاية الهيئات الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويعظون الناس ويدعونهم إلى الخير ويحذرونهم من الشر سواء سموا دعاة أو سموا بهيئات أو سموا نوابا أو نحو ذلك، فالدعاة الذين يتعينون للدعوة عليهم أيضا ولاية عليهم أيضا أمانة؛ وذلك لأنهم يلاقون جماهير الناس، ولأنهم لا بد أن يتصلوا ببعض العصاة والمخالفين والكفرة والمبتدعة ونحوهم، فلا بد أن يكون عندهم علم بما يدعون إليه وبما يأمرون به وبما ينهون عنه، ولا بد أن يتعلموا الأساليب التي يكون لها تأثير في السمع عندما يسمع المدعو تلك الكلمات اللينة اللطيفة وعندما يسمع المواعظ والإرشادات تصل إلى قلبه ويعرف بها نصح ذلك الداعي ومحبته لإخوته في أنهم يسلكون سبيل النجاة، فإذا كان كذلك عُرِفَ بأنه من المخلصين القائمين بحقوقهم التي أوجب الله. لا شك أن هذا يعم كل من عنده قدرة وتبرع بأن يدعو إلى الله ويذكر وينصح ويرشد، ويعم أيضا من عين لذلك وألزم بأن كانت وظيفته التي تصدى لها دعوة الناس، يدعو الكفار بالأساليب التي تصل إلى قلوبهم ويرشدهم رجاء أن يهتدوا ويدخلوا في الإسلام. كذلك أيضا يدعو المبتدعة الذين انتحلوا بدعا ليست من الدين في شيء يذكرهم، ويبين لهم السنة الصحيحة التي يجب أن يسيروا عليها كذلك أيضا يدعو العصاة الذين وقعوا في المعاصي الصغائر أو الكبائر، وكل منهم له أسلوب يستحق أن يعامله به فكل هذه من الولايات والولايات كثيرة، وإنما ذكرنا أن هذا جنس الولايات التي يتولاها المسلم، ولو لم يكن إلا ولايته على أهله ومن تحت يده؛ على نسائه وعلى أولاده ذكورا وإناثا وعلى إخوته وعلى خدمه ومن هو تحت سيطرته، فهو أيضا مولى عليهم وله سلطة لا بد أن يقوم بما يقدر عليه في إصلاحهم، وفي كفهم عن الشر وفي إيصال الخير إليهم وذلك معنى قوله: -صلى الله عليه وسلم- كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته بدأ بالرجل بقوله: فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والولد راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته . فالمسئولية أمام الله تعالى أي: أن الله هو الذي يحاسب هذا الراعي ويوبخه على تقصيره وخلله، ويعذبه إذا أهمل وترك ما هو مولى عليه إما أنه أفسد من هو مولى عليهم أو أهملهم وتركهم يتولاهم من يفسدهم أو نقص في حق ولايته فلم يقم بما أوجب الله عليه. فذلك كله مما يجب على المسلم أن يهتم به حتى لا تكون مسئوليته كبيرة. .. ونستمع إلى كلام شيخ الإسلام في هذه الرسالة: الحسبة في الإسلام ون*** عليه بما تيسر، ثم بعد هذا الدرس كما عرفنا نتوقف حتى تنتهي أوقات الاختبارات ونشعر بعد ذلك باستئناف هذا الدرس إن شاء الله-7- | |
|
| |
MAXMANوطن الحب Admin
المساهمات : 116 تاريخ التسجيل : 18/03/2008
| موضوع: رد: شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية)2( 2008-04-08, 11:09 | |
| الأمر والنهي فيه جماع الدين وجميع الولايات
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال -رحمه الله تعالى- فصل: الولايات الإسلامية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإذا كان جماع الدين وجميع الولايات هو أمر ونهي، فالأمر الذي بعث الله به رسوله هو الأمر بالمعروف، والنهي الذي بعثه به هو النهي عن المنكر، وهذا نعت النبي والمؤمنين، كما قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ . وهذا واجب على كل مسلم قادر، وهو فرض على الكفاية ويصير فرض عين على القادر الذي لم يقم به غيره، والقدرة هو السلطان والولاية، فذوو السلطان أقدر من غيرهم، وعليهم من الواجب ما ليس على غيرهم. فإن مناط الوجوب هو القدرة ؛ فيجب على كل إنسان بحسب قدرته، قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ . وجميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى، مثل نيابة السلطان، والصغرى مثل ولاية الشرطة، وولاية الحكم، أو ولاية المال وهي ولاية الدواوين المالية وولاية الحسبة، لكن من المتولين من يكون بمنزلة الشاهد المؤتمن، والمطلوب من الصدق، مثل الشهود عند الحاكم، ومثل صاحب الديوان الذي وظيفته أن يكتب المستخرج والمصروف، والنقيب والعريف الذي وظيفته إخبار ذي الأمر بالأحوال، ومنهم من يكون بمنزلة الأمين المطاع والمطلوب منه العدل، مثل الأمير والحكم والمحتسب، وبالصدق في كل الأخبار، والعدل في الإنشاء من الأقوال والأعمال، وتصلح جميع الأحوال، وهما قرينان كما قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر الظلمة: من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ولا يرد عليّ الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه، وسيرد عليّ الحوض وفي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ولهذا قال سبحانه وتعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ وقال سبحانه: لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ . ولهذا يجب على كل ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق والعدل، وإذا تعذر ذلك استعان بالأمثل فالأمثل وإن كان فيه كذب وظلم, فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم، والواجب إنما هو فعل المقدور، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من قلد رجلا على عصابة هو يجد في تلك العصابة من هو أرضى منه فقد خان الله وخان رسوله، وخان المؤمنين. فالواجب إنما هو الأرضى من الموجود، والغالب أنه لا يوجد كامل، فيفعل خير الخيرين ويدفع شر الشرين، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يفرحون بانتصار الروم والنصارى على المجوس، وكلاهما كافر؛ لأن أحد الصنفين أقرب إلى الإسلام، وأنزل الله في ذلك: (سورة الروم ) لما اقتتلت الروم وفارس، والقصة مشهورة وكذلك يوسف كان نائبا لفرعون مصر وهو وقومه مشركون، وفعل وفعل من العدل والخير ما قدر عليه، ودعاهم إلى الإيمان بحسب الإمكان. فصل مسئولية المحتسب. عموم الولايات وخصوصها وما يستفيده المتولي بالولاية يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف، وليس لذلك حد في الشرع، فقد يدخل في ولاية القضاة في بعض الأمكنة والأزمنة ما يدخل في ولاية الحرب في مكان وزمان آخر ، وبالعكس، وكذلك الحسبة وولاية المال. وجميع هذه الولايات هي في الأصل ولاية شرعية ومناصب دينية، فأي من عدل في ولاية من هذه الولايات فساسها بعلم وعدل وأطاع الله ورسوله بحسب الإمكان فهو من الأبرار الصالحين، وأيهم ظلم وعمل فيها بجهل فهو من الفجار الظالمين، إنما الضابط قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ . وإذا كان كذلك، فولاية الحرب في عرف هذا الزمان في هذه البلاد الشامية والمصرية تختص بإقامة الحدود التي فيها إتلاف، مثل قطع يد السارق وعقوبة المحارب ونحو ذلك، وقد يدخل فيها من العقوبات ما ليس فيه إتلاف، كجلد السارق، ويدخل فيها الحكم في المخاصمات والمضاربات، ودعاوى التهم التي ليس فيها كتاب وشهود، كما تختص ولاية القضاء بما فيه كتاب وشهود، وكما تختص بإثبات الحقوق والحكم في مثل ذلك، والنظر في حال نظار الوقف وأوصياء اليتامى، وغير ذلك مما هو معروف. وفي بلاد أخرى كبلاد المغرب ليس لوالي الحرب حكم في شيء، وإنما هو منفذ لما يأمر به متولي القضاء، وهذا اتبع السنة القديمة ولهذا أسباب من المذاهب والعادات مذكورة في غير هذا الموضع. وأما المحتسب فله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما ليس من خصائص الولاة والقضاة وأهل الديوان ونحوهم، وكثير من الأمور الدينية وهو مشترك بين ولاة الأمور، فمن أدى فيه الواجب وجبت طاعته فيه، فعلى المحتسب أن يأمر العامة بالصلوات الخمس في مواقيتها ويعاقب من لم يصل بالضرب والحبس، وأما القتل فإلى غيره، ويتعهد الأئمة والمؤذنين، فمن فرط منهم فيما يجب من حقوق الإمامة أو خرج عن الأذان المشروع ألزمه بذلك، واستعان فيما يعجز عنه بوالي الحرب والحكم، وكل مطاع يعين على ذلك. وذلك أن الصلاة هي أعرف المعروف من الأعمال، وهي عمود الإسلام وأعظم شرائعه، وهي قرينة الشهادتين، وإنما فرضها الله ليلة المعراج وخاطب بها الرسول-صلى الله عليه وسلم- بلا واسطة، لم يبعث بها رسولا من الملائكة، وهي آخر ما وصَّى به النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته، وهي المخصوصة بالذكر في كتاب الله تخصيصا بعد تعميم، كقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وقال سبحانه: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ وهي المقرونة بالصبر، وبالزكاة، وبالنسك وبالجهاد في مواضع من كتاب الله كقوله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وقال سبحانه: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وقال سبحانه: إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وقال سبحانه: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا وقال: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ إلى قوله: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا . وأمرها أعظم من أن يحاط به، فاعتناء ولاة الأمر بها يجب أن يكون فوق اعتنائهم بجميع الأعمال؛ ولهذا كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يكتب إلى عماله: إن أهم أمركم عندي الصلاة من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها كان لما سواها أشد إضاعة. رواه مالك وغيره . ويأمر المحتسب بالجمعة والجماعات، وبصدق الحديث وأداء الأمانات. وينهى عن المنكرات: من الكذب والخيانة، وما يدخل في ذلك من تطفيف المكيال والميزان والغش في الصناعات، والبياعات، والديانات، ونحو ذلك قال الله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ وقال في قصة شعيب أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا وقال: وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ وفي الصحيحين عن حكيم بن حزام قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البائعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا ، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس من غشنا فليس منا وفي رواية: من غشني فليس مني فقد أخبر النبي-صلى الله عليه وسلم- أن الغاش ليس بداخل في مطلق اسم أهل الدين والإيمان، كما قال -صلى الله عليه وسلم - لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن فسلبه حقيقة الإيمان التي بها يستحق حصول الثواب والنجاة من العقاب، وإن كان معه أصل الإيمان الذي يفارق به الكفار ويخرج به من النار. والغش يدخل في البيوع بكتمان العيوب وتدليس السلع، مثل أن يكون ظاهر المبيع خيرا من باطنه، كالذي مر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنكر عليه. ويدخل في الصناعات مثل الذين يصنعون المطعومات من الخبز والطبخ والعدس والشواء وغير ذلك، أو يصنعون الملبوسات كالنساجين والخياطين ونحوهم، أو يصنعون غير ذلك من الصناعات، فيجب نهيهم عن الغش والخيانة والكتمان. ومن هؤلاء ( الكيماوية ) الذين يغشون النقود والجواهر والعطر وغير ذلك، فيصنعون ذهبا أو فضة أو عنبرا أو مسكا أو جواهر أو زعفرانا أو ماء ورد أو غير ذلك، يضاهون به خلق الله، ولم يخلق الله شيئا فيقدر العباد أن يخلقوا كخلقه، بل قال الله -عز وجل- فيما حكى عنه رسوله: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة فليخلقوا بعوضة ولأجل هذا كانت المصنوعات مثل الأطبخة والملابس والمساكن غير مخلوقة إلا بتوسط الناس، قال تعالى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ وقال تعالى: أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ وكانت المخلوقات من المعادن والنبات والدواب غير مقدورة لبني آدم أن يصنعوها، لكنهم يشبهون على سبيل الغش، وهذا حقيقة الكيمياء، فإنه المشبه، وهذا باب واسع قد صنف فيه أهل الخبرة ما لا يحتمل ذكره في هذا الموضع.
-------------------------------------------------------------------------------- يتكلم شيخ الإسلام -رحمه الله- على الولاية ويذكر أن الولاة الذين هم المحتسبون والذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر عليهم مسئولية، وأن هذه الوظيفة التي هي الأمر والنهي من صفات الأمة الإسلامية من صفات المؤمنين عموما، دلت على ذلك هذه الآيات التي ذكرها -رحمه الله- وهي قول الله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . فبدأ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الصلاة والزكاة مع أن الصلاة والزكاة من أركان الإسلام، ولكن هذه الوظيفة التي هي الأمر والنهي وإن كانت من واجبات الإسلام ففائدتها أهم؛ وذلك لأنها تت*** بإصلاح المسلمين بحيث أن الذي يأمر وينهى يدعو إلى ما فيه صلاح الأمة واستقامتها وبعدها الباطل وبعدها عن الفساد.
-8-
بحث في قوة الصحابة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ولا شك أن كلما كانت الأمة أو كلما كانت الجماعة أو القرية متمسكة بالإسلام حق التمسك مظهرين للحق ومنكرين للباطل ومبتعدين عن الشرور ومظهرين لحقوق الله تعالى ولحدوده، فإن ذلك عنوان قوتهم وتمكنهم وسيطرتهم؛ ولذلك قال الله تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ يعني هؤلاء هم الذين يمكّن الله تعالى لهم وينصرهم ويقويهم ويظهرهم على من عاداهم وينصرهم نصرا مؤزرا. وهذا هو ما وقع من الصحابة رضي الله عنهم؛ فإنهم لما أقاموا شرع الله وقاموا بحدوده ولما تمكنوا؛ لما أنهم صارت لهم قوة صاروا يدعون إلى الله ويأمرون بالخير وينهون عن الشر ويقيمون الحدود وينفذون الأوامر ولا يخافون في الله لومة لائم؛ كما وصفهم الله قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ . هكذا أمرهم ووصفهم وأخبر عنهم بهذه الصفات؛ ومنها أنهم لا يخافون في الله لومة لائم، بل ثبت أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما ذكر له أن أحد أولاده كان يشرب شرابا يقال له الطلاء، لم يكن مسكرا ظاهر الإسكار، ولكن خاف أن يكون به شيء من النشوة أو أن يكون دافعا لم يقنع إلا أن يجلده جلد شارب الخمر. وكذلك أيضا لما ذكر له أن بعضا من المسلمين في بعض البلاد الإسلامية شربوا الخمر، وتأولوا قول الله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وتأولوا أننا إذا شربنا وطعمنا فلا حرج علينا إذا آمنا واتقينا؛ فأرسل إليهم أو أمر الوالي هناك في مصر فقال: إن أصروا على ذلك كفروا، وإن اعترفوا بذنبهم فسقوا؛ أمره أن يقتل من أصر على الاستحلال؛ إن اعتقدوا استحلالها وأنها حلال كفروا، وإن اعترفوا بأنها حرام ولكنهم متأولون لشربها فسقوا، وأمر بجلدهم ولو كانوا من أولاد الصحابة أو من أقاربهم. فلا شك أن هذا دليل على أنهم اهتموا بأمر المسلمين وسعوا في إصلاحهم وحرصوا على أن يقيموا حدود الله وأن يظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك نصرهم الله، ففي عهد عمر بن الخطاب الذي كانت خلافته عشر سنين ننظر كيف امتد الإسلام، فأولا انتشر الإسلام في الجزيرة في بلاد العرب وفتحت اليمن كلها ومن حولها وفتحت اليمامة والبحرين والسواحل كلها، وما على الخليجين. وكذلك أيضا امتدت الفتوحات في الشمال وفي الغرب وفتح الشام ومصر بأكمله وفتح العراق وامتدت الفتوحات في خراسان ووصلوا إلى حدود الترك، وما إلى ذلك كل ذلك في هذه المدة القصيرة.
-9- | |
|
| |
MAXMANوطن الحب Admin
المساهمات : 116 تاريخ التسجيل : 18/03/2008
| موضوع: رد: شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية)2( 2008-04-08, 11:12 | |
| بيان الصفات الواجب توافرها في المحتسب لا شك أن ذلك من آثار تحكيم شرع الله وإقامة حدوده والأمر بالخير والدعوة إلى الله وإنكار المنكرات وإظهار المعروف ونصره ونصر المظلوم والأخذ على يدي الظالمين، وإلزام كل مسلم بأن يسير على ما أمره الله تعالى به، فكان هذا هو الذي قاموا به في تلك المدة كبيرهم وصغيرهم. نقول: إن هذا هو الواجب على الأمة أن يأمروا وينهوا حتى ينصرهم الله تعالى ويقويهم ويظهرهم على من ناوأهم، لا شك أن ذلك يستدعي كما قلنا أولا: الأمانة أن يكون مؤمنا أمينا. وثانيا: المحبة أن يكون محبا لله تعالى ومحبا لمن يحب الله ومبغضا لمعاصي الله وللعصاة الخارجين عن طاعة الله. وثالثا: النصيحة وهو أن يكون ناصحا لإخوانه المسلمين ومؤثرا إرشادهم وما ينفعهم ويبعدهم عما يضرهم. ورابعا: الصدق وقد سمعنا أدلته؛ الحديث الذي سمعنا وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا عليكم به؛ يعني الزموه الزموا الصدق وتمسكوا به واتصفوا به، واعملوا به. يكون الصدق مع الله تعالى؛ يعني أن يصدقوا فيما أمر الله به، وأن يصدقوا مع الله بما يعاهدون عليه إذا كانوا يعاهدون الله تعالى على أن يعبدوه، وعلى أن يخلصوا له وعلى أن يرجوه ويخافوه، وعلى أن يعتمدوا عليه وحده فلا بد من الصدق في ذلك. كذلك أيضا يكون الصدق مع عباد الله تعالى؛ وذلك بأن يتعاملوا معهم معاملة الصادقين؛ معاملة الناصحين المخلصين؛ فيصدقون في أقوالهم ويصدقون في أفعالهم. وحتى فيما سمعنا الحديث الذي في المعاملات في قوله -صلى الله عليه وسلم- البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما فهذا مثال في أن المتبايعين إذا صدق كل منهما وبَيَّن ما له وما عليه ونصح لأخيه؛ بارك الله تعالى لهما فيبارك للبائع في الثمن ويبارك للمشتري في السلعة، وإذا كتم البائع ما في السلعة مثلا من العيوب وكتم المشتري ما يعلمه في هذه السلعة أو ما يعلمه في هذه الحال؛ محقت بركة بيعهما. إن هذا بيان أن الصدق من أسباب البركات وأسباب الخيرات، لا شك أن هذا يؤول بالآمرين -الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويدعون إلى الله تعالى ويرشدون إلى الخيرات عليهم أن يهتموا بأمر المسلمين. نعرف أن هذا الأمر الذي هو الأمر والنهي من واجبات الإسلام، وأنه من فروض الكفاية؛ فرض على الأمة كلهم، وفروض الكفاية واجبة مخاطب بها أفراد الأمة؛ وذلك لأنهم إذا تركوه كلهم عمتهم العقوبة، في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ينزل العذاب على صالحهم وغيره عليهم جميعا؛ حتى على الصالحين. وقد اشتهرت وقائع فيها ما يدل على ذلك فذكر ابن القيم في كتاب الجواب الكافي قصة أن الله تعالى أمر جبريل أن يخسف ببلدة كذا فقال: يا رب فيهم فلان لم يعصك طرفة عين قال الله: به فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه فيَّ قط. لما أنه لم يغضب لغضب الله ولم يرض لرضاه استحق أن يعاقب مع هؤلاء بالخسف الذي عمهم. وذكر أيضا القصة التي فيها: أن الله تعالى أمر جبريل أن يهلك من بني إسرائيل أربعين ألفا من خيارهم وستين ألفا من شرارهم فقال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فقال: إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يجالسونهم ويؤاكلونهم ويشاربونهم؛ بمعنى أنهم يقرون المنكر على ما هو عليه ويعرفون بأن هذا منكر، ومع ذلك يقرون أهله ويجالسونهم ويؤانسونهم، فاستحقوا العقوبة جمعيا، وهذا يدل على أن الجميع مكلفون؛ الذين يرون المنكر وهم قادرون على إزالته ويسكتون ولا ينكرونه يكونون بذلك كلهم مستحقين للعذاب. ولا شك أن الواجب في هذا الباب يختلف باختلاف طبقات الناس، معلوم أنهم يتفاوتون في القوة ويتفاوتون في المعرفة ويتفاوتون في القدرة ويتفاوتون في الإقناع، ولكن يعمهم جمعيا أنهم يستطيعون أن يتكلموا، وأن يقولوا: إن هذا منكر إذا رأوه أن يقولوا إن هذا منكر، وإن لم يستدلوا عليه بأدلة وإن لم يقولوا الدليل عليه كذا وكذا. وبكل حال فإنا مأمورون بأن نغير بقدر ما نستطيعه، ونأمر وننهى بحسب الاستطاعة، فمن كان عنده علم فواجبه أكثر من غيره، ومن كان عنده قدرة ببدنه فواجبه أكثر أيضا من غيره، من كان له ولاية أية ولاية ولو صغيرة فواجبه أكثر، ومن كان ضعيفا اقتصر على ما يقدر عليه ولو أنكر بالقلب. وللكلام تتمة نأتي عليه إن شاء الله في الدروس الآتية. س: ذكر فضيلتكم شروطا هي الأمانة والمحبة والنصيحة والصدق، فيمن ينبغي أن تكون هذه الشروط؟ تكون في كل من تولى ولاية؛ يعني فمثلا خطيب المسجد وإمام المسجد وعضو الهيئة مثلا والمدرس والمعلم والقاضي والداعية ونحوهم لا بد من توفر هذه الشروط فيهم. جزى الله فضيلة الشيخ خير الجزاء وجعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه والله أعلم وصلى الله على محمد . -10-
بحث في: الاحتساب في المعاملات المحرمة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ويدخل في المنكرات ما نهى الله عنه ورسوله من العقود المحرمة، مثل عقود الربا والميسر، ومثل بيع الغرر وكحبل الحبلة، والملامسة والمنابذة وربا النسيئة وربا الفضل، وكذلك النجش، وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها وتصرية الدابة اللبون وسائر أنواع التدليس. وكذلك المعاملات الربوية سواء كانت ثنائية أو ثلاثية إذا كان المقصود بها جميعها أخذ دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل. فالثنائية ما يكون بين اثنين: مثل أن يجمع إلى القرض بيعا أو إجارة أو مساقاة أو مزارعة، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك قال الترمذي حديث صحيح. ومثل أن يبيعه سلعة إلى أجل ثم يعيدها إليه، ففي سنن أبي داود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا . والثلاثية: مثل أن يدخلا بينهما محللا للربا يشتري السلعة من آكل الربا ثم يبيعها المعطي للربا إلى أجل ثم يعيدها إلى صاحبها بنقص دراهم يستفيدها المحلل. وهذه المعاملات منها ما هو حرام بإجماع المسلمين مثل التي يجري فيها شرط لذلك، أو التي يباع فيها المبيع قبل القبض الشرعي أو بغير الشروط الشرعية، أو يقلب فيها الدين على المعسر، فإن المعسر يجب إنظاره ولا يجوز الزيادة عليه بمعاملة ولا غيرها بإجماع المسلمين، ومنها ما قد تنازع فيه بعض العلماء، لكن الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين تحريم ذلك كله.
-------------------------------------------------------------------------------- بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد يقول شيخ الإسلام: إن هذه الأشياء من المنكرات ولو أصبحت مألوفة عند بعض الناس وفي بعض الأزمنة؛ وسبب نكارتها أنه ضارة بالمجتمع ما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها إلا لما فيها من الضرر ولو حصل فيها نفعا أحيانا لبعض الأفراد ولو تراضى عليها الطرفان؛ وذلك لأن الذي عليه ضرر لو رضي لكان رضاه لأجل ضرورة حلت به؛ فلأجل ذلك لا بد أن تكون المعاملة حسب ما جاءت به الشريعة سليمة من كل غش أو مخادعة أو غرر أو نحو ذلك. هذه المعاملات التي ذكر مشهورة؛ مشهور النهي عنها، فاشتهر أنه -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الغرر؛ وهو الشيء الذي لا يعرف؛ يعني سواء الغرر في الثمن أو الغرر في المثمن. فالغرر في المثمن هو أن يبيع سلعة لمن لم يرها ولم ينظر فيها ولم يدرِ ما هي، فإنها قد تكون رديئة فيكون مغبونا وقد تكون جيدة فيغبن البائع، وفي ذلك أيضا ضرر. وكذلك أيضا مثل بيع الملامسة والمنابذة وحبل الحبلة؛ وهي أمور ورد النهي الصريح عنها عن التعامل بها، ومثلوا لها بأمثلة معروفة. كذلك أيضا مثل النجش الذي ورد النهي عنه؛ فسره كما سمعنا بالذي يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها إما لنفع البائع بزيادة الثمن، وإما لضرر المشتري بتحميله أكثر مما تستحق؛ فيكون بذلك ظالما لأحدهما وموقعا الثاني في الظلم، والأدلة على ذلك مشهورة. وكذلك أيضا ما ورد النهي عنه من هذه الأشياء التي في الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك وهذه أيضا بيوع منهي عنها، ومشهورة في كتب الفقه ومبين صورها وأمثلتها، وإن كان قد اختُلف في بعضها في كيفيتها، وأهمها قوله: لا يحل سلف وبيع ويريد بالسلف هاهنا القرض، أو يريد به السلم مع البيع، ولعل الحكمة فيه أن القرض يكون على سبيل الإنفاق وهو أن الإنسان إذا أقرض إنسانا ما قصد بذلك إلا الأجر، فإذا قال: ما أقرضك إلا إذا بعتني فاضطر إلى أنه يبيعه أو يؤجره كان في ذلك ضرر على المستقرض؛ يبيع إليك مثلا بحاجة إلى عشرة آلاف تقرضه، فتقول: ما أقرضك العشرة إلا إذا أجرتني بيتك برخص أو سيارتك مثلا أو بعتني شاتك بكذا بثمن بخس؛ فيكون محتاجا إلى ذلك فيبيعها برخص، ويكون السبب أنه محتاج إلى هذا القرض، فيكون هذا القرض جر منفعة. وكذلك أيضا ذكر أن من المحرمات المعاملات الربوية؛ والمعاملات الربوية كثيرة وأمثلتها مشهورة، ولكنه ذكر منها ما يكون ثنائيا وما يكون ثلاثيا. فالثنائية من الربويات: التي تكون بين اثنين فقط، وصورة ذلك أن يعطيه دراهم بشرط أن يردها أكثر منها، ويقول: أعطيك ألفا على أن ترد بعد شهر أو بعد شهرين ألفا ومائة وهذا ربا نسيئة، وكذلك أيضا لو أعطاك مثلا صاعين وقال: بشرط أن ترد ثلاثة آصع بعد يومين أو بعد شهرين يسمى هذا أيضا ربا نسيئة. وكذلك ربا الفضل؛ إذا باع ربويا رديئا بأقل منه ربويا طيبا كتمر بتمر أكثر منه، ويعتبر هذا أيضا ربا فضل. وهكذا أيضا ذكر مسألة قلب الدين، وقال: إن المعسر إذا كان عليه دين وجب إنظاره لقول الله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ أي إنظارا وتأخيرا فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وصفة قلب الدين: أن يكون عنده مثلا عشرة آلاف، فيقول له صاحبها: أنا أبيعك سلعة بعشرة آلاف، ولا يعني ثمنها عشرة أبيعكها باثني عشر على أن تبيعها وتوفيني العشرة الأولى؛ عندك لي عشرة آلاف، خذ هذه السيارة التي قيمتها عشرة آلاف أكتبها عليك باثني عشر، فبعها ثم أعطني العشرة الأولى، هذا يسمى قلب الدين، وهو بلا شك ربا؛ وذلك لأن عليه عشرة أصبحت اثني عشر. ولعل أيضا بذلك فسر الحديث الذي ذكره وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا بيعتين في بيعة صورة ذلك ما ذكرنا أن تقول مثلا: هذه السيارة أبيعكها باثني عشر ألفا دينا ويكتب عليه لك اثنا عشر ألفا دينا تحل بعد سنة، ثم تقول: أشتريها منك بعشرة نقدا فتدفع له عشرة، وترجع إليك سيارتك ويبقى لك في ذمته اثنا عشر، وكأنك أعطيته العشرة باثني عشر وصارت السيارة أو السلعة حيلة للربا، وتسمى هذه مسألة العِينة. سئل ابن عباس عن رجل باع حريرة بمائة غائبة ثم اشتراها بثمانين حاضرة، فقال: دراهم بدراهم دخلت بينهم الحريرة أي أنه جعل هذه الحريرة عينة في أن أعطاه ثمانين وكتبها في ذمته بمائة فهي دراهم بدراهم أكثر منها. وكذلك لو جعلوا بينهم ثالثا؛ لو كانوا ثلاثة وهو بيع الثلاثي الذي أشاروا إليه وهذا أيضا يحدث كثيرا، والواجب أن المعسر لا يشدد عليه. صورة ذلك: إذا كان لك دين على زيد فحل وهو معسر، ذهبت معه إلى عمرو وقلت له: اشتر من عمرو، وبع وأوفني بدين، فباعه عمرو مثلا سلعة مثلا بألف دينا وباع تلك السلعة بثمانمائة نقدا وأوفاه، فهاهنا مثلا المستدين والحامل له وصاحب الدين، الواجب الإنظار والتأخير وعدم التشديد. فالحاصل أن مثل هذه الأشياء تعتبر من المنكرات، والواجب إذا انتشرت أن يظهر الناس نكارتها وأن ينهوا عنها، وأن لا يتعاطوا شيئا من البيوع المحرمة التي نهى الله تعالى عنها وبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- سبب النهي؛ وهو ما فيها من الضرر وصرح بنفي الضرر بقوله: لا ضرر ولا ضرار وبقوله: من ضار مسلم ضره الله، ومن شق على مسلم شق الله عليه هذا مناسبته أن هذه من المنكرات، وأن الواجب على المسلم أن يبتعد عنها، وأن من علم بها عليه أن ينكرها وينصح أهلها.
-11- | |
|
| |
MAXMANوطن الحب Admin
المساهمات : 116 تاريخ التسجيل : 18/03/2008
| موضوع: رد: شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية)2( 2008-04-08, 11:16 | |
| لاحتساب في المعاملات المحرمة (تابع)
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ومن المنكرات تلقي السلع قبل أن تجيء إلى السوق، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك لما فيه من تغرير البائع، فإنه لا يعرف السعر فيشتري منه المشتري بدون القيمة، وبذلك أثبت النبي -صلى الله عليه وسلم- له الخيار إذا هبط إلى السوق، وثبوت الخيار له مع الغبن لا ريب فيه، وأما ثبوته بلا غبن ففيه نزاع بين العلماء، وفيه عن أحمد روايتان: إحداهما: يثبت، وهو قول الشافعي والثانية: لا يثبت لعدم الغبن. وثبوت الخيار بالغبن للمسترسل وهو الذي لا يماكس هو مذهب مالك وأحمد وغيرهما. فليس لأهل السوق أن يبيعوا المماكس بسعر ويبيعوا المسترسل الذي لا يماكس أو من هو جاهل بالسعر بأكثر من ذلك السعر هذا مما ينكر على الباعة. وجاء في الحديث: غبن المسترسل ربا وهو بمنزلة تلقي السلع، فإن القادم جاهل بالسعر؛ ولذلك نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبيع حاضر لباد، وقال: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض وقيل لابن عباس ما قوله: لا يبع حاضر لباد ؟ قال: لا يكون له سمسارا، وهذا نهى عنه لما فيه من ضرر المشترين، فإن المقيم إذا توكل للقادم في بيع سلعة يحتاج الناس إليها والقادم لا يعرف السعر ضر ذلك المشتري، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض .
-------------------------------------------------------------------------------- نعرف أن الشرع الشريف وصف بالتمام وبالكمال قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ونعرف أن الدين ليس هو مجرد العبادات والإتيان بالركعات وما أشبهها، بل دين الإسلام يت*** بالحياة كلها وينظم الحياة الدنيا من حين يولد الإنسان إلى أن يخرج من الدنيا. فجاء الإسلام بتنظيم حياته وبتدبيره وبما يكون له في اتباعه الخير والفلاح والسعادة. هذا هو الذي عليه الأمة وعلماء الأئمة ،ولكن وجد في هذه الأزمنة من يبعد الشرع عن مثل هذه الأمور يقولون: لا يتدخل الشرع في أمورنا، لا يتدخل الدين في دنيانا، دنيانا نحن أبصر بها نفعل ما نشاء في بيعنا وفي تجارتنا .. لا دخل للشرع في شيء من ذلك، ويكون عند هؤلاء الحلال ما حل بأيديهم، والحرام ما منعوا منه ولم يقدروا عليه. فهؤلاء بلا شك لم يعرفوا المصلحة التي تحصل من اتباع الشرع. فمن ذلك ما ذكره الشيخ هاهنا؛ فإنه يذكر في هذه الرسالة الأشياء المنكرة التي يتولى تغييرها أهل الاحتساب الذين يتصدون للأمر بالمعروف وللنهي عن المنكر، وينكرون على من يتعاطى شيئا من هذه المنكرات سواء كانت تت*** بالدين أو تت*** بالدنيا. فالذي يت*** بالدنيا أو مثاله ما ذكر في هذا من الأمثلة: ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تتلقوا الركبان فمن تلقاهم فاشترى منهم فلهم الخيار، ونهى عن تلقي الجلب، ويراد بالركبان الجالبون للسلع الوافدون إليها إلى البلاد لبيع تلك السلع في هذه البلاد لا تتلقوها قبل أن تصل إلى الأسواق. وذلك لأن الذي يقدم عازما على البيع قد يكون جاهلا فإذا كان جاهلا بالسلع خدعه هذا الذي تلقاه، وأخبره بأن السعر رخيص فينخدع بذلك ويبيع بمجرد ما يحصل له أدنى ربح، وربما يبيع برخص أو بخسران. يتصور هذا فيمن يجلب البهائم كإبل أو بقر أو غنم أو دجاج مثلا أو نحو ذلك؛ إذا كان قصده بيعه في هذه البلاد فيتلقاهم إنسان إذا أقبلوا على البلد ويخبرهم بأن الدواب رخيصة وأنها لا تساوي كذا وكذا فيتمنون أن يبيعوا بأدنى شيء فيشتري منهم برخص، ثم يتبين لهم أنه خدعهم، وأنه غلبهم فيثبت لهم الخيار. ويقول العلماء؛ بعضهم يقول: يثبت الخيار مطلقا حتى ولو لم يغبنهم غبنا كبيرا، وآخرون قالوا: لا يثبت إلا إذا كان هناك غبن وهذا هو الأقرب؛ وذلك لأن الخيار إنما يكون لمجرد غبن يحصل به التضرر. فإذا غبنهم ورأوه يبيع سلعتهم بأكثر مما اشتراها منهم فيشتريها مثلا بمائة ويبيعها بمائة وعشرين وهم قد تعبوا عليها وجاءوا مثلا من مسيرة عشرة أيام أو عشرين يوما، عندما كانوا يسوقونها وهو ما ساقها إلا ساعة أو نصف ساعة ثم ربح فيها، وهم ما ربحوا. لا شك أن هذا يسبب حقدا منهم عليه وبغضا له، كيف خدعهم وكيف غرر بهم وكيف أخذ تعبهم أو مصلحتهم، فيكون هذا مسببا في أنهم ينتزعونها منه، ويقولون: لا حق لك، أنت كذبت علينا وقلت: إن السعر رخيص. يتصور أيضا في كل ما يمكن جلبه أو بيعه من السلع، فإذا جلبوا مثلا أطعمة كَبُرٍّ أو أرز مثلا أو نحو ذلك، وجاء إليهم قبل أن يصلوا واشترى منهم وخدعهم ثبت لهم الخيار، وكذلك إذا جلبوا خضارا أو فواكه وقابلهم قبل أن يصلوا إلى الأسواق واشترى منهم وأخبرهم بأن السعر رخيص، ثم باعوه وتمنوا أن يحصل لهم رأس المال أو خسران قليل، ثم باعوا وبعدما دخلوا الأسواق وجدوا أن السعر مرتفع؛ فلهم الخيار في أن يستردوا ما أخذوه منه وأن يردوا عليه ثمنه ويتولوا هم البيع ويأخذوا الربح مقابل أتعابهم. هم قد يكونون هم الذين غرسوا الأشجار وبذروا هذه النباتات وسقوها زمنا طويلا وتعبوا في سقيها، ثم بعد ذلك جنوها ثم حملوها على سياراتهم أو على رواحلهم، ثم قطعوا بها مسافات طويلة، مع ذلك يذهب تعبهم وتكون أرباحهم لهذا الذي خدعهم واشترى منهم قبل أن يقدموا الأسواق، لا شك أن هذا من الظلم. وكذلك بقية السلع. فالحاصل أن هذا يعتبر من ما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه ونقول: إنه مما يجب إنكاره من علم مثل ذلك وجب عليه أن ينكر، ويقول: هذا من المنكر الذي لا يقره الشرع والذي فيه ظلم وعدوان. ومن ذلك أيضا ما ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض . وصورة ذلك كما قال ابن عباس أن يكون له سمسارا؛ السمسار: هو من يسمى بالدلال الذي يبيع لغيره، فإذا قدم البادي -ويراد به الجالب للسلعة- ومعه سلع، وقصد بيعها ولم يقصد ادخارها ولا استعمالها ولم يقصد كنزها مثلا أو احتكارها، وجاء إليه أحد أهل البلد وأخذ منه تلك السلع، وقال: أنا أتولى لك بيعها وأعطيك ربحها كله أو آخذ بعضه، والناس محتاجون إلى مثل هذه السلع ويقصدون التوسع بها حتى يشتركوا في الانتفاع بها، فمثل هذا يؤخذ على يديه. وشرطوا لذلك خمسة: شروط الأول: أن يجيء لبيعها لا لخزنها، الثاني: أن يكون جاهلا بالسعر، الثالث: أن يقصده صاحب البلد؛ لا أن يجيء إليه هو، الرابع: أن يكون عازما على بيعها في ذلك اليوم بما تساويه ولا يتأنى، الخامس: أن يكون الناس محتاجين إليها للتوسع فإنه إذا استبد بها واحد؛ ضيق على المواطنين، ولم يبع إلا بشيء يناسبه. ويقال كذلك أيضا في بعض الناس؛ بعض التجار إذا قلت السلع في الأسواق وعرف أنها ما بقي منها إلا شيء قليل عند فلان وفلان وفلان ذهب وجمعها؛ اشترى الذي عند فلان والذي عند فلان والذي عند فلان ثم خزنها وكنزها إلى أن تنعدم من السوق، ثم بعد ذلك أعلن بيعها بما يريد وتصرف في الناس كما يريد، فأخذ في السلعة أربعة أمثال الثمن ما كانت تباع بعشرة يبيعها بأربعين أو بثلاثين، لا شك أيضا أن هذا من الظلم الذي نهي عن فعله محافظة على ما ينفع المسلمين وإبعادا عما يضرهم. وكذلك أيضا من الأمثلة التفريق بين بيع المماكس وغير المماكس، غير المماكس يسمونه المسترسل الذي يكون جاهلا بالسعر ثم إن صاحب السلعة إذا عرض عليه السلعة وهو جاهل زادوا في الثمن عليه ولم يماكس، أو مثلا إذا منعوه من البيع استرسل، وأخذ يزيد ويزيد ويزيد إلى أن تصل السلعة إلى ثمن أكثر مما تساويه، فإذا قالوا له مثلا: هذا الثوب بعشرة وهو يساوي خمسة لم يقل أنزل كذا أو كذا أو كذا ولم يراجع بل أخذه بقولهم مع أنهم يبيعونه على غيره بنصف الثمن، أو إذا طلب سلعة قال مثلا: أريد أن أشتري منك هذا الثوب فقالوا بكم تشتريه فإذا قال مثلا: بخمسة قالوا: لا قال: بستة قالوا: لا بسبعة قالوا: لا، بثمانية ، ثم لا يزل يزيد ويزيد إلى أن وصلوها إلى ضعف الثمن أو بضعفيه؛ فيكون هذا أيضا من الغبن للمسترسل؛ فيثبت له الخيار كما ذكروا ذلك في أقسام الخيار. وإن كان الواجب أن المسلم يحب لإخوته المسلمين ما يحبه لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، فيدلهم على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم، فلا يجوز له أن ينظر إلى مصلحة نفسه فقط دون مصلحة غيره من العباد، لا شك أن مثل هذا يعتبر نفعيا بمعنى أنه لا يهمه ضرر غيره من المسلمين. يدخل في ذلك ما سمعناه في كلام الشيخ رحمه الله أنه يقول: يجب على الباعة أن يسووا في بيعهم بين الجاهل والعارف؛ فإذا جاءهم العالم بالسلع أخبروه بالثمن الذي يعرفه فهو مثلا ثمن الكيس مائة وثمن الثوب عشرة، وأنه إذا زادوا عرف أن هذا فيه زيادة فيقول: لا، كيف يكون عندكم مثلا بمائة وعشرة وعند فلان بمائة وعند فلان بمائة قد اشتراه فلان، وقد اشتريناه قبل يومين أو قبل ثلاثة أيام بمائة أو نحو ذلك، فكيف زاد في هذا اليوم، وكيف تكون الزيادة عندك وحدك دون غيرك؛ يعرف ذلك. فإذا جاءهم العارف أخبروه بالسعر الذي يبيعون به، وإذا جاءهم الجاهل زادوا عليه، فقالوا: إنه مثلا بمائة وعشرين بمائة وثلاثين أو ما أشبه ذلك، ثم يشتريه لأنهم صادقون، لا شك أن هذا من الضرر الذي نفاه الشرع في قوله -صلى الله عليه وسلم- لا ضرر ولا ضرار وفي قوله: من ضار مسلما ضاره الله فإذا حصل أنه ظلم وزيد عليه زيادة مخالفة للعادة ثبت له الخيار؛ أن يرد إليهم سلعتهم ويأخذ ثمنه، أو يطالبهم بما أخذوه من الزيادة عليه. نستمع إلى الأسئلة. س: هل ما يأخذه السمسار عند بيعه للبادي في مثل الحال السابقة الذكر حرام؟ لا شك أنه له حراما إذا اجتمعت الشروط؛ الشروط الخمسة فيكون فعله حراما، أما إذا أخذ أجرة تناسبه بقدر سعيه وبقدر عمله، فلا تكن الأجرة حراما، وإنما الفعل الذي هو السمسرة.
-12- | |
|
| |
MAXMANوطن الحب Admin
المساهمات : 116 تاريخ التسجيل : 18/03/2008
| موضوع: رد: شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية)2( 2008-04-08, 12:05 | |
| بيان بعض المسائل المحرمة في البيع يجب الحذر منها بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في كتاب الحسبة: ومثل ذلك الاحتكار لما يحتاج الناس إليه، لما روى مسلم في صحيحه عن معمر بن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يحتكر إلا خاطئ فإن المحتكر: هو الذي يعمد إلى شراء ما يحتاج إليه الناس من الطعام فيحبسه عنهم ويريد إغلاءه عليهم، وهو ظالم للخلق المشترين؛ ولهذا كان لولي الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس في مخمصة، فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل؛ ولهذا قال الفقهاء: من اضطر إلى طعام الغير أخذه منه بغير اختياره بقيمة مثله، ولو امتنع من بيعه إلا بأكثر من سعره لم يستحق إلا سعره. ومن هنا يتبين من أن السعر منه ما هو ظلم لا يجوز، ومنه ما هو عدل جائز؛ فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباحه الله لهم فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل فهو جائز، بل واجب. فأما الأول فمثل ما روى أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: يا رسول الله لو سعرت؟ فقال: إن الله هو القابض الباسط الرازق المسعر، وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال رواه أبو داود والترمذي وصححه ، فإذا كان الناس يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم، وقد ارتفع السعر إما لقلة الشيء، وإما لكثرة الخلق، فهذا إلى الله. فإلزام الخلق أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراه بغير حق. وأما الثاني: فمثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل، فيجب أن يلتزموا بما ألزمهم الله به. وأبلغ من هذا أن يكون الناس قد التزموا أن لا يبيع الطعام أو غيره إلا أناس معروفون لا تباع تلك السلع إلا لهم، ثم يبيعونها هم، فلوا باع غيرهم ذلك منع إما ظلما لوظيفة تؤخذ من البائع أو غير ظلم، لما في ذلك من الفساد، فهاهنا يجب التسعير عليهم بحيث لا يبيعون إلا بقيمة المثل، ولا يشترون أموال الناس إلا بقيمة المثل بلا تردد في ذلك عند أحد من العلماء؛ لأنه إذا كان قد منع غيرهم أن يبيع ذلك النوع أو يشتريه، فلو سوغ لهم أن يبيعوا بما اختاروا أو يشتروا بما اختاروا كان ذلك ظلما للخلق من وجهين: ظلما للبائعين الذين يريدون بيع تلك الأموال، وظلما للمشترين منهم. والواجب إذا لم يمكن دفع جميع الظلم أن يدفع الممكن منه، فالتسعير في مثل هذا واجب بلا نزاع، وحقيقته: إلزامهم أن لا يبيعوا أو لا يشتروا إلا بثمن المثل. وهذا واجب في مواضع كثيرة في مواضع كثيرة من الشريعة، فإنه كما أن الإكراه على البيع لا يجوز إلا بحق، يجوز الإكراه على البيع بحق في مواضع مثل بيع المال لقضاء الدين الواجب والنفقة الواجبة. والإكراه على أن لا يبيع إلا بثمن المثل لا يجوز إلا بحق، ويجوز في مواضع، مثل المضطر إلى طعام الغير، ومثل الغراس والبناء الذي في ملك الغير، فإن لرب الأرض أن يأخذه بقيمة المثل لا بأكثر. ونظائره كثيرة. وكذلك السراية في العتق كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- من أعتق شركا له في عبد وكان له من المال ما يبلغ ثمن العبد قوِّم عليه قيمة العدل، لا وكس ولا شطط، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق . وكذلك من وجب عليه شراء شيء للعبادات كآلة الحج ورقبة العتق وماء الطهارة، فعليه أن يشتريه بقيمة المثل، ليس له أن يمتنع عن الشراء إلا بما يختار. وكذلك فيما يجب عليه من طعام أو كسوة لمن عليه نفقته إذا وجد الطعام أو اللباس الذي يصلح له في العرف بثمن المثل لم يكن له أن ينتقل إلى ما هو دونه، حتى يبذل له ذلك بثمن يختاره، ونظائره كثيرة. ولهذا منع غير واحد من العلماء كأبي حنيفة وأصحابه القُسام؛ الذين يقسمون العقار وغيره بالأجر أن يشتركوا فإنهم إذا اشتركوا والناس محتاجون إليهم أغلوا عليهم الأجر، فمنع البائعين الذين تواطئوا على أن لا يبيعوا إلا بثمن قدروه أولى، وكذلك منع المشترين إذا تواطئوا على أن يشتركوا فيما يشتريه أحدهم حتى يهضموا سلع الناس أولى. وأيضا فإذا كانت الطائفة التي تشتري نوعا من السلع أو تبيعها قد تواطأت على أن يهضموا ما يشترونه فيشترون بدون ثمن المثل المعروف، ويزيدون ما يبيعون بأكثر من الثمن المعروف، وينموا مايشترونه، كان هذا أعظم عدوانا من تلقي السلع، ومن بيع الحاضر للبادي، ومن النجش، ويكونون قد اتفقوا على ظلم الناس حتى يضطروا إلى بيع سلعهم وشرائها بأكثر من ثمن المثل، والناس يحتاجون إلى بيع ذلك وشرائه. وما احتاج إلى بيعه وشرائه عموم الناس فإنه يجب أن لا يباع إلا بثمن المثل، إذا كانت الحاجة إلى بيعه وشرائه عامة. -------------------------------------------------------------------------------- يتكلم شيخ الإسلام رحمه الله هاهنا على مسائل في البيع منها: الاحتكار، ومنها التسعير، ومنها ما يلحق بذلك كتلقي الركبان، وبيع الحاضر للبادي والأشياء التي إذا تعامل بها الإنسان أضر بالآخرين، وخالف القاعدة المشهورة: لا ضرر ولا ضرار. فالاحتكار: هو حبس السلع حتى تغلو ويرتفع سعرها ثم يبيعها بغلاء ويتركها ما دامت متوفرة فإذا قلت ولم توجد إلا عنده تصرف فيهم وباعهم بما يريد، ومثل ذلك: لو أحس بأن السلع قلت في الأسواق فتتبعها؛ تتبع ما يوجد عند فلان وعند فلان وعند فلان، ثم جمعها في مخزنه، ثم لما لم توجد إلا عنده تصرف فيها فربما يبيعها بضعفي ثمنها؛ تكون بمائة ويبيعها بمائتين أو بثلاثمائة؛ يعتبر هذا من الاحتكار، في الحديث لا يحتكر إلا خاطئ يعني لا يحبس الأطعمة والأكسية مثلا والسلع التي يحتاج الناس إليها ويمسكها ثم يبيعها عندما تنعدم ويتصرف في الناس إلا خاطئ؛ أي مخطئ يجب أن يؤخذ على يديه ويمنع من هذا التصرف الذي يضر بالأمة. وذلك لأن الواجب على المسلم أن يحب للمسلمين ما يحبه لنفسه فإذا كان المسلمون بحاجة إلى مثل هذه السلع لشرائها؛ إما لاستعمالها ***اس أو أوانٍ أو أدوات يستعملونها أو أطعمة يقتاتون بها؛ وجب عليه أن يخرجها وقت وجودها ولا يحبسها فيضر بالناس، وإذا وجدت عنده حرم عليه أن يضاعف ثمنها على الناس، بل يبيعها بالسعر المعتاد الذي يحصل به ربح، ولكن دون زيادة تضر بالمستهلكين. إذا كانت مثلا قبل أن تنعدم بمائة فباعها بمائة وخمسين فذلك ضرر، وكذلك لو باعها بمائة وثلاثين، بل لا مانع من أن يبيعها لقلتها مثلا أو لكونها عنده فقط يزيد في قيمتها في المائة خمسة أو عشرة أو نحو ذلك؛ فأما زيادة كثيرة تسبب ضرر المواطنين والمسلمين فلا شك أن هذا من الضرر المحرم. إذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- منع من تلقي الركبان حتى لا يغبنوا؛ فإن ذلك دليل على منع الغبن للمسلمين؛ منعهم من أن يتعاطوا شيئا مما يضر بالمسلمين في معاملاتهم. كذلك أيضا سمعنا في كلام الشيخ -رحمه الله- أنه لا يجوز أن ينفرد أحد ببيع السلع أو بشرائها، إذا كان يتصرف فيهم تصرفا زائدا عن قدر العادة. صورة ذلك إذا كانت هذه السلع لا يورِّدُها إلا فلان أو لا يصنعها إلا هو؛ يمنع غيره من صناعتها أو يمنع غيره من استيرادها، فإن عليه أن يرفق بالمستعملين لها والمستهلكين لها، فلا يزيد عليهم زيادة ترهقهم، وللوالي أن يتدخل في ذلك، وهو ما يسمى بالتسعير يعني تحديد السلع، وتقدير أسعارها، سمعنا الحديث الذي فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قيل له إن السعر قد غلا فسعر لنا قال: إن الله هو المسعر القابض الباسط وإني أرجو أن أخرج من الدنيا وليس أحد يطالبني بشيء قالوا: إن هذا إذا غلا السعر بدون احتكار، أو بدون تصرف شخصي أو نفع خاص لأحد دون أحد. فأما إذا كان هناك من تسبب في رفع الأسعار؛ وجد إنسانا هو السبب في كونه احتكر هذه السلع التي يستوردها وحده أو يصنعها وحده، ومنع أن تباع إلا بأضعاف مثلها بأضعاف الثمن، فللحاكم التدخل وإلزامه أن يبيعها بالسعر المناسب؛ لأن الناس بحاجة إليها. وكذلك يقال أيضا في الذين يتفقون على السعر إذا انحصر عندهم؛ التجار الذين مثلا توجد عندهم بعض السلع؛ الأقمشة مثلا لا توجد الآن إلا عند فلان وفلان عند عشرة أو مائة فيتفقون فيما بينهم: أن يرفعوا السعر وأن يضاعفوه؛ فللحاكم التدخل ومنعهم من هذا الاتفاق وأن يبيعوا بالسعر المناسب الذي يربحون فيه ولا يضرون غيرهم. وكذلك أيضا يقال في باب الشراء أنه لا يجوز اتفاقهم في الشراء حتى لا يضروا الباعة، وصورة ذلك: لو جلبت السلع من أطعمة مثلا أو بهائم أو أكسية أو نحوها؛ جلبها أناس تعبوا فيها تعبوا في إنتاجها كالخضار والفواكه ونحوها، أو تعبوا في استيرادها كالأقمشة وما أشبهها، أو تعبوا في تنميتها وتغذيتها كالبهائم، ثم بعد ذلك جاءوا بها لبيعها وليربحوها فيها ربح يناسبهم فاتفق المشترون، وقالوا: لا تشتروها إلا بكذا أو لا يشتريها منكم إلا فلان فإنهم إذا اتفقوا هذا الاتفاق تضرر هذا الجالب الذي تعب في تحصيلها؛ حيث إنهم يتفقون على أن لا يشتريها إلا واحد ثم بعد ذلك يقتسمونها ثم يبيعونها بأضعاف مضاعفة كما هو مشاهد، أنهم إذا جلب بعض الفواكه وقفوا عن الزيادة وقالوا: لا يشتريها إلا واحد أو لا يسومها إلا فلان، ثم إذا باعها بنصف الثمن أو بربع الثمن بعد ذلك تقاسموها، ثم بدل ما يكون الكيلو مثلا بريال عليهم يبيعونه بعشرة أو بخمسة على المستهلكين، ولا شك أن هذا داخل في الضرر المنهي في هذه الأحاديث. وأن على الحاكم أن يمنع مثل هؤلاء، وكذلك لو لم تكن من الضروريات ولكنها من الكماليات؛ مثلا فإذا جلبت السلع لو بهيمة الأنعام مثلا جلبها الجالبون أو أقمشة أو أكسية أو فرش أو ما أشبهها جلبوها، فاتفق المشترون على أن لا يزيد إلا فلان، وعلى أنها إذا وصلت نصف الثمن فإنك تتوقف حتى يتوهم الجالب أنها قد بلغت ثمنها، وأن هذا نهاية ما تساويها. لا شك أن هذا حرام لما فيه من الإغراء بهؤلاء الباعة الذين تعبوا فيها، فتذهب منفعتها وربحها لهؤلاء المتخصصين بهذه الصنعة. ومثل ذلك ما يقال في بعض الأماكن التي تباع فيها السلع بالمزاد العلني، وهو أنهم إذا أعلن عن هذه السيارة مثلا أو هذا الجراش كالزلي ونحوه، أعلن عن بيعه ثم وصل إلى ربع الثمن أو ثلث الثمن، والناس ساكتون لا يزيد إلا واحد فالبقية يجلبون على ذلك الجالب... أو بثلث الثمن، لا شك أن هذا من الظلم، الواجب أن يتركوه ليبيع بما يريد، والواجب أن لا يتفقوا هذا الاتفاق، وأن من رأى أنهم اتفقوا فعليه أن يحرم اتفاقهم، وأن يستام بما يناسبه، ويزيد عليهم ويفسد عليهم خطتهم؛ حتى لا يتضرر أحد لمنفعة أحد هؤلاء. هؤلاء بلا شك قصدهم المنفعة لأنفسهم وكأنهم لا يفكرون في غيرهم ولا أن غيرهم قد يتضرر بهذه الأعمال، لا يتضرر أحد وهم يكونون السبب في ضرره. وبكل حال فإن هذا هو السبب في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الاحتكار، وقال: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض لا تتدخلوا فيهم ولا تمنعوا هذا من هذا، ومنع من الأسباب التي فيها ضرر كما سمعنا؛ فإن تلقي الركبان قد ينخدع به الجالبون؛ فيظنون أن السعر رخيص فيبيعون على ذلك المتلقي، فإذا هبطوا الأسواق وجدوه قد خدعهم، وكذلك أيضا بيع حاضر لباد قد يتصرف في المستهلكين الذين هم بحاجة إلى مثل هذا، فيحتكر هذه السلعة التي جاء بها هذا البادي لبيعها ويمنعها فلا يبيعها إلا بما يضر المستهلكين، وهكذا ينتبه لمثل هذه الأشياء ويتوقف عند الحد المحدود. -13- | |
|
| |
MAXMANوطن الحب Admin
المساهمات : 116 تاريخ التسجيل : 18/03/2008
| موضوع: رد: شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية)2( 2008-04-08, 12:19 | |
| بحث في : ما يجب على الأمة من فروض الكفاية
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- ومن ذلك أن يحتاج الناس إلى صناعة ناس، مثل حاجة الناس إلى الفلاحة والنساجة والبناية، فإن الناس لا بد لهم من طعام يأكلونه وثياب يلبسونها ومساكن يسكنونها، فإذا لم يجلب لهم من الثياب ما يكفيهم كما كان يجلب إلى الحجاز على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت الثياب تجلب إليهم من اليمن ومصر والشام وأهلها كفار وكانوا يلبسون ما نسجه الكفار ولا يغسلونه، فإذا لم يجلب إلى ناس البلد ما يكفيهم احتاجوا إلى من ينسج لهم الثياب، ولا بد لهم من طعام إما مجلوب من غير بلدهم وإما من زرع بلدهم، وهذا هو الغالب. وكذلك لا بد لهم من مساكن يسكنونها، فيحتاجون إلى البناء، فلهذا قال غير واحد من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم: كأبي حامد الغزالي وأبي الفرج ابن الجوزي وغيرهم : إن هذه الصناعات فرض على الكفاية، فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بها، كما أن الجهاد فرض على الكفاية إلا أن يتعين فيكون فرضا على الأعيان، مثل أن يقصد العدو بلدا ، أو مثل أن يستنفر الإمام أحدا. و طلب العلم الشرعي فرض على الكفاية إلا فيما يتعين، مثل طلب كل واحد علم ما أمره الله به وما نهاه عنه، فإن فرض على الأعيان كما أخرجاه في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وكل من أراد الله به خيرا ، لا بد أن يفقهه في الدين، فمن لم يفقهه في الدين لم يرد الله به خيرا. والدين: ما بعث الله به رسوله، وهو ما يجب على المرء التصديق به والعمل به، وعلى كل أحد أن يصدق محمدا -صلى الله عليه وسلم- فيما أخبر به، ويطيعه فيما أمر تصديقا عاما وطاعة عامة، ثم إذا ثبت عنه خبر كان عليه أن يصدق به مفصلا، وإذا كان مأمورا من جهة بأمر معين كان عليه أن يطيعه طاعة مفصلة. وكذلك غسل الموتى، وتكفينهم والصلاة عليهم ودفنهم، فرض على الكفاية، وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية.
-------------------------------------------------------------------------------- يبين -رحمه الله- ما يجب على مجموع الأمة من فروض الكفاية، وأنه لا تبرأ ذمة الخلق إلا بالإتيان بهذا المفروض، وأنهم إذا تركوه أثموا كلهم، حتى الأمور العادية، معلوم أن الأمور العادية هناك دوافع تدفعها، هناك رغبات تختلف فلكل طائفة رغبة في عمل يعملونه يكون من ورائه نفع لهم خاص بهم، ونفع للأمة عامة. فلو مثلا أن الناس كلهم اتفقوا على عدم غرس الأشجار، وعلى عدم بذر الزروع ثم بقوا على ذلك مثلا عدة سنوات، فإنه بلا شك سيتضرر المجتمع الإسلامي وغيره؛ فمن أين يأكلون ويتقوتون؟! لا بد للناس من قوت يتغذون به؛ ففي هذه الحال يلزم الإمام أو السلطان طائفة من ناس يغرسون الغراس ويبذرون البذور بقدر ما يسد حاجة الناس، إذا لم يجلب إليهم ما يكفيهم من البلاد الأخرى. في العهد النبوي كانت جزيرة العرب أهلها رعاة للمواشي إبل وغنم ونحوها، ولكن هم بحاجة إلى لباس وأكسية تجلب إليهم، وبحاجة إلى غذاء من الحبوب والثمار ونحوها تجلب إليهم، فلو وقف الجلب إليهم لتضرروا، فلا جرم كان لا بد أن يلزم الإمام من يعملون ما يكفي المجتمع، هذا بالنسبة إلى هذه الأغذية ونحوها. ومثلها يقال أيضا في الأكسية؛ فالناس بحاجة إلى أكسية وألبسة، فلا بد أن يكون هناك من يتعلم النساجة حتى ينسجوا للناس ما يلبسونه ويسترون به أجسادهم، كذلك أيضا بالنسبة إلى الأبنية لا بد أن يكون هناك أناس يتعلمون البناء، يتعلمون كيف يقيمون الحيطان وكيف يسقفونها وما أشبه ذلك، وهكذا بقية الحرف لو اتفق الناس على تركها لتضرروا. فلا بد أن يكون هناك مثلا خرازون، وهناك دباغون، وهناك مثلا خياطون أو غسالون وحجامون وحدادون ونجارون ونحو ذلك من الحرف، هذه لا بد منها في مجتمع المسلمين. كل الحرف، الله سبحانه وتعالى جعل الناس يختلفون في الهمم ويختلفون في الرغبات, فنشاهد مثلا في رغباتهم بالتجارة أن بعضهم تكون رغبته التجارة في الأطعمة والأغذية، وآخر رغبته التجارة في الأكسية وآخر رغبته التجارة في الأواني والمواعين وما أشبهها، وآخر يتجر في الأحذية وآخر وآخر. وكذلك أيضا الحرف هذا رغبته أن يكون حدادا، وهذا رغبته يكون نجارا وهذا يكون خرازا وهذا خياطا وما أشبه ذلك، لكل رغبة تناسبه يرى أنها فيها معيشته وفيها مصلحته، ويقال: إن الناس لو اتفقوا كلهم على إهمال تعلم البناء لتضررت المجتمعات، أو إهمال تعلم الجزارة مثلا أو تعلم الخرازة والدباغة وما أشبهها لتضرر الناس. هذا بالنسبة إلى هذه الأمور مع أن هناك دوافع تدفع إليها، وهي الرغبات في الفوائد وفي المصالح، وفي القيم التي تحصل من آثار صناعتها أو من آثار التجارة فيها. يقال كذلك أيضا في أمور العبادة: لا بد منها ولو أن الناس لا يهتمون بها، فولو أن مثلا أهل دولة كاملة كلهم أعرضوا عن تعلم القرآن؛ لأثموا كلهم، لا بد أن يكون فيهم من يتعلم ما يكون به مثلا إماما وعالما بالأحكام وما أشبهها. كذلك لا بد من تعلم فنون العلوم التي لا بد منها، فلا بد أن يكون هناك طائفة يتعلمون علم العقائد حتى يرجع إليهم، وآخرون يتعلمون علم الأحكام الحلال والحرام حتى يرجع إليهم عند الاختلاف وفي الفتيا، وآخرون يتعلمون مثلا علم الآداب حتى يرجع إليهم، وآخرون يتعلمون التاريخ، وآخرون يتعلمون النحو وآخرون يتعلمون الفرائض وما أشبه ذلك، ومن استطاع أن يجمع أكثر من علم فإنه يلزمه ذلك أو له أجر كبير. ويقال كذلك أيضا في العلوم التي قد يحتاج إليها وإن لم تكن شرعية فإنه قد يحتاج إليها، فعلم الحساب مثلا وعلم الجبر وعلم الجيولوجيا وعلم الهندسة، وكذلك علم الكيمياء والفيزياء وما أشبهها، هذه قد يحتاج إليها وقد يكون في تعلمها فائدة؛ فإذا كان هناك من يعرفها يرجع إليه عند الحاجة إليها حصلت الكفاية بمن يكون أو يقوم بهذا الفرض الذي هو فرض كفاية، وإذا تركوا واحدة من هذه الفنون اعتبروا آثمين. فلو مثلا تركوا تعلم الكتابة كما كان كثير قبل ستين أو سبعين سنة في هذه المملكة لا يعرف الكتابة إلا أفراد قلة لأثموا، وكذلك أيضا لو تركوا تعلم الخطابة لأثموا كلهم، كان ذلك أيضا مشهورا قبل خمسين أو ستين سنة يأتي الإنسان على بلدة لا يجد فيها من يصلح أن يكون خطيبا، لا شك أن هذا نقص وخلل وأنه بسبب الإهمال والتغافل عن واجبات الأمة. وإذا عرفنا ذلك في مثل هذه العلوم مع أن بعضها علوم دنيوية وأنها واجبة، نقول: كذلك أيضا العلوم الدينية؛ فمن ذلك وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعتبر من فروض الكفايات أي أنها فرض كفاية على الأمة؛ دليل ذلك قول الله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ لم يقل كلكم ادعوا إلى الخير، بل أمة فيهم الكفاية. فإذا عرف أو قام جماعة فيهم الكفاية والأهلية لهذه الوظيفة التي هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأدوا الواجب وأقاموا بهذا الأمر؛ فأمروا بالمعروف وعلموه ونهوا عن المنكر، وأبعدوا الناس عنه وأقاموا حدود الله على عباده؛ على العصاة ونحوهم، وطهرت البلاد عن المنكرات وامتثل الناس بالأوامر؛ هنالك يكتفى بهذا. فلا نقول: كل يقوم بذلك؛ لأنه قد حصل ذلك المقصود. ويقال كذلك أيضا في وظيفة الدعوة؛ الدعوة إلى الله تعالى هي أيضا من فروض الكفاية؛ ولهذا بُدئت بها هذه الآية في قوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ أي: يدعون إلى الله فالذين يدعون إلى الله تعالى هم الذين يدعون إلى الإسلام ويدعون إلى القرآن ويدعون إلى السنة، ويدعون إلى العمل الصالح، ويدعون إلى الدخول في دين الإسلام، ويدعون إلى ترك البدع وترك المحدثات، واعتناق مذهب السنة والجماعة، يدعون إلى ذلك. ولا يقال: كل الأمة يلزمهم أن ينشروا للدعوة مثلا؛ بل إذا قام بذلك من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإذا تركوا ذلك كلهم أثموا كلهم ولو كان بعضهم غير قادر، ولكن يستطيع أن يحث من هو قادر. معلوم أن أساليب الدعوة لا يستطيعها كل فرد من الناس، ولكن كل بحسبه كل فرد يدعو بحسب ما يستطيع ولو بنصف كلمة، وذلك عند المناسبات، فأما إذا لم تجد من تدعوه ورأيت الناس كلهم قد استقاموا فإنك لا تكلف. ويقال كذلك أيضا في فرض الجهاد الذي هو قتال الكفار ورد المحاربين ونحوهم؛ هو أيضا فرض كفاية وليس فرض عين إلا في أحوال خاصة؛ ذكر العلماء أنه يكون فرض عين في ثلاث حالات: الحالة الأولى: إذا حضر الصف تعين عليه، قال تعالى: إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ . الحالة الثانية: إذا استنفرهم الإمام، قال تعالى: انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ . الحالة الثالثة: إذا دهم العدو بلاد الإسلام؛ إذا دهمهم في بلادهم تعين عليهم أن يصمدوا في وجوه أعدائهم. فالحاصل أن هذا ونحوه دليل على أن فروض الكفاية تلزم من تحصل به الكفاية ولكن إذا تركوها كلهم أثموا كلهم؛ سواء كانت من أمور الدنيا أو من أمور الآخرة.
-14- | |
|
| |
MAXMANوطن الحب Admin
المساهمات : 116 تاريخ التسجيل : 18/03/2008
| موضوع: رد: شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية)2( 2008-04-08, 12:20 | |
| بحث في : الأسباب التي شرعت من أجلها الولايات
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- والولايات كلها: الدينية مثل إمرة المؤمنين، وما دونها: من ملك، ووزارة، وديوانية، سواء كانت كتابة خطاب، أو كتابة حساب لمستخرج أو مصروف في أرزاق المقاتلة أو غيرهم، ومثل إمارة حرب، وقضاء وحسبة. وفروع هذه الولايات إنما شرعت للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مدينته النبوية يتولى جميع ما يت*** بولاية الأمور، ويولي في الأماكن البعيدة عنه، كما ولى على مكة عتاب بن أسيد -رضي الله عنه- وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- وعلى قرى عرينة خالد بن سعيد بن العاص -رضي الله عنه- وبعث عليا ومعاذا وأبا موسى -رضي الله عنهم- إلى اليمن وكذلك كان يؤمر على السرايا ويبعث على الأموال الزكوية السعاة، فيأخذونها ممن هي عليه ويدفعونها إلى مستحقيها الذين سماهم الله في القرآن، فيرجع الساعي إلى المدينة وليس معه إلا السوط، لا يأتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بشيء إذا وجد لها موضعا يضعها فيه. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستوفي الحساب على العمال، يحاسبهم على المستخرج والمصروف، كما في الصحيحين عن أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقات، فلما رجع حاسبه، فقال: هذا لكم وهذا أهدي إليّ! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ما بال الرجل نستعمله على العمل بما ولانا الله فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إليّ؟ أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا؟ والذي نفسي بيده لا نستعمل رجلا على العمل مما ولانا الله فيغل منه شيئا إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته؛ إن كان بعيرا له رغاء، وإن كانت بقرة لها خوار، وإن كانت شاة تيعر، ثم رفع يديه إلى السماء، وقال: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بغلت؟ قالها مرتين أو ثلاثا . والمقصود هنا: أن هذه الأعمال التي هي فرض على الكفاية متى لم يقم بها غير الإنسان صارت فرض عين عليه، لا سيما إذا كان غيره عاجزا عنها، فإذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صار هذا العمل واجبا؛ يجبرهم ولي الأمر عليه إذا امتنعوا عنه بعوض المثل، ولا يمكنهم بمطالبة الناس بزيادة عن عوض المثل، ولا يمكن الناس من ظلمهم بأن يعطوهم دون حقهم. كما إذا احتاج الجند المرصدون للجهاد إلى فلاحة أرضهم ألزم مَنْ صناعته الفلاحة بأن يصنعها لهم، فإن الجند يلزمون بأن لا يظلموا الفلاح؛ كما ألزم الفلاح أن يفلح للجند.
-------------------------------------------------------------------------------- بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد ما ذكره -رحمه الله- من الأمور المعتادة التي يعرفها الناس بأفكارهم، وقد جعل الله تعالى في قلوب الناس وفي ميولهم ما يحملهم على القيام بهذه الأعمال لنظرهم ولما يرون من المصلحة. فمعلوم أن الأمة الإسلامية بحاجة إلى عمال بحاجة إلى من يعمل؛ فمثلا الملوك يعتبرون ولاة؛ لهم ولاية تخصهم يدخل فيها ما تحت ولايتهم، وكذلك الوزراء لهم ولاية أيضا يدخل فيها ما يمكنهم أن يعملوه بهذه الولاية بسبب كونهم وزراء للملوك ونحوهم، وكذلك الأمراء يدخل في ولايتهم ما يمكنهم أن يتصرفوا فيه. ولم يزل المسلمون من العهد النبوي يعملون أو يولون مثل هذه الأعمال؛ فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتولى كثيرا من الأعمال بنفسه؛ فيتولى الحكم بين الناس فيما يختلفون فيه، ويتولى تنفيذ السرايا والجيوش والغزاة ونحوهم، وكذلك يؤمر الأمراء على السرايا ونحوهم، فكان إذا بعث سرية أو جيشا أمر عليهم أميرا يرى أن فيه الكفاءة والأهلية وأنه يقوم بما يسند إليه، ومع ذلك كان يوصيه وكان يوصي كل أمير؛ يوصيه بتقوى الله وبمن معه من المؤمنين خيرا، يوصيه بأن يعدل فيهم وبأن يرفق بهم وبأن يواسيهم ولا يفضل أحدا على أحد بمحابة أو ما أشبه ذلك، وكذلك أيضا يحثه على أن يعدل بينهم، وأن يحكم بينهم بما يراه مناسبا وصوابا. ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- بعث معاذا إلى اليمن ولما بعثه تولى أربع ولايات؛ فتولى القضاء فيما يختلفون فيه؛ وذلك لما عنده من المعرفة والعلم، وتولى الفتيا وبيان الأحكام التي يحتاجون إليها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه من العلوم ونحوها، وتولى جباية الزكوات والصدقات وتوزيعها على أهلها، وتولى تعليمهم ما يجهلونه؛ فبعثه داعيا إلى الله تعالى وقاضيا وجابيا للزكاة ومعلما ومرشدا. وكذلك لما اتسعت البلاد أتبعه بثلاثة؛ أتبعه بعلي والٍ على.. وأبي موسى ولاه.. كل منهما ولاه جهة .. فهذا دليل على أن الجيوش ونحوها والبلاد ونحوها لا بد لها من ولاة يتولون أمرها، ويحكمون في أهلها ويقيمون فيهم حدود الله ويعلمونهم. على الولاة الأمر أن يختاروا من هو كفء لما يقوم به من الولاية وأهل لذلك، ولا يحملهم حنان أو نحوه على أن يولوا من ليس بكفء؛ فلا يولى الوالي إلا بعد ظهور أهليته وكفائته ومعرفة قيامه بما يسند إليه؛ سواء كان أميرا أو وزيرا أو قاضيا أو مدرسا معلما أو مفتيا أو داعيا أو كاتبا أو حارسا أو بوابا أو مبلغا أو مراسلا أو نحو ذلك؛ كل هذا لا بد أن يكون الذي يتولاه من ذوي الأهلية والكفاءة، فهذا من الولايات العامة أو الخاصة. كذلك أيضا يقول العلماء: إن هذه إذا تعينت على إنسان ولم يوجد من يقوم بها لزمه أن يقبل ذلك وأن يتولاه، فإذا وجد من هو أهل للدعوة وجب عليه القيام بها إذا لم يقم بها غيره؛ إذا وجد من هو أهل للقضاء ولم يقم به غيره تعين عليه؛ إذا وجد من هو أهل للخطابة أو أهل للإمامة تعين ذلك عليه ولزمه وله ما يستحقه على من يوليه. كذلك أيضا الحاجات والضرورات التي تمت إليها حاجة الأمم لا بد وأن يولي من يقوم بها فإنها من ضروريات الحياة، فلو أن الناس مثلا كلهم تركوا الزراعة والغراسة ونحوها؛ لتضرر المواطنون لم يجدوا ما يقتاتون به؛ فيلزم الإمام طائفة يقومون بالحرث، وينتجون ما يكفي المجتمعات، ويعطون من قيمة ذلك ما يكفيهم وما يقابل تعبهم حتى لا يتعبوا مجانا. وكذلك أيضا لا بد أن يكون هناك من يتعلم الحرف اليدوية التي يحتاج إليها، فلو أن الناس كلهم تركوا النساجة؛ فمن أين يكتسي الناس؟ لا بد أن يكون هناك من يقوم بهم الكفاية يتعلمون النساجة أو الدباغة أو الخرازة مثلا أو الخياطة أو الحدادة أو النجارة أو غيرها من الحرف اليدوية؛ التي يضطر الناس إلى أن يوجد من يكفي، فإذا وجد من هم قادرون على ذلك أمر الناس بأن يعطوهم مقابل أتعابهم؛ يشتروا منهم بما يكون مقابلا لأتعابهم حتى لا يتعبوا مجانا، والناس مضطرون إلى هذا وعارفون له. وكذلك أيضا على كل من ولاه الله تعالى ولاية أن يؤدي ما ألزم به ويعرف بأن هذه أمانة وأن الأمانة لا بد من أدائها؛ لقول الله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ فيعلم أنه مسئول عن أداء هذه الأمانة، فإذا أداها استحق ما بذل له، وإذا خان في ذلك أو قصر فيه فإن ما يأخذه ليس بمباح له ولا حلال بل يعتبر أخذ ما لا يستحقه، فعليه أن يشعر بأنه مسئول، إما مسئولية في الدنيا وإما مسئولية في الآخرة، إن هذا هو الذي يجب عليه. ولهذا في قصة ذلك الرجل الذي يقال له ابن اللتبية الذي أرسله النبي -صلى الله عليه وسلم- ليجمع الزكاة من الموالي، فلما جاء إلى المدينة وإذا هو قد عزل جانبا أو قسطا كبيرا منها وادعى أنها هدية، قال: هذا لكم وهذا أهدي إليَّ، فعرف النبي- صلى الله عليه وسلم - أنهم ما أهدوا إليه إلا لأجل أن يتغاضى عنهم، وأن يقلل مما يجب عليهم، فعرف أن هذا من حق الله تعالى. وذلك لأنه مثلا إذا جاء إلى قوم وزكاتهم مثلا أربعة من الغنم أهدوا إليه شاة، فإنه قد يأخذوا اثنتين ويعفو لهم عن واحدة، أو يأخذ ثلاثا أو أربعا هزيلة يدفعونها إليه وهي أقل من الحق الذي عليهم؛ فيتغاضى ولا يشدد عليهم؛ لأنهم أكرموه بما أعطوه وبما أهدوا له فيكسر ذلك قلبه ويرققه لهم. وهكذا مثلا إذا جاء الذين يقبضون زكوات الحروث كزكوات الأشجار مثلا النخيل أو الزروع أو ما أشبهها، إذا أكرمهم صاحب الزرع أو صاحب النخل فإنهم قد يتغاضون عما يجب عليه فلا يأخذون منه إلا نصف الواجب أو ثلثه؛ فيكون إكرامهم له سببا في تغاضيه عن شيء من حق الفقراء؛ فلذلك يقال: إن عليهم ألا يستضيفوا أحدا من أهل تلك الحروث أو الزروع ونحوها، ولا يستضيفوا أيضا أحدا من أهل المواشي إبلا أو غنما أو نحوها، ولا يقبلوا منهم هدية مخافة أنهم يسقطون عنهم شيئا من الذي فرضه عليهم. وهكذا أيضا كل مسئول في جهته لا يجوز له أن يأخذ هدية أو يتعامل مع أحدهم معاملة خاصة مخافة أن يستميل قلبه. فذكروا أن القضاة لا يحق لهم أن يتعاملوا بالتجارة مخافة أن الناس يتغاضون معهم فيبيعونهم برخص أو يشترون منهم بغلاء فيكون ذلك سببا في ميلهم، مع هذا الذي تغاضى معهم وجورهم في الحكم الذي يحكمون فيه، وهكذا أيضا كل عامل في عمل رسمي إذا تعامل مع أحد أو قبل منه هدية خيف أنه يميل قلبه معه ويؤثره على غيره. ولعل هذا هو السبب في أن هذه الحكومة -أيدها الله- منعت الأطباء أن يفتحوا عيادات مخافة أنهم لا ينصحون لمن يراجعهم في المستشفيات الحكومية حتى يأتي إليهم في عياداتهم الخاصة، كذلك أيضا المدرسين الرسميين لا يدرسون في المنازل مخافة أن يتغاضوا أو يتخاذلوا عن التدريس الرسمي حتى يأتيهم في البيوت من يدرسهم بأجرة؛ فذلك بلا شك حرصا على أداء الأمانة التي اؤتمن عليها هذا العامل، وحتى ينصح للأمة ويؤدي ما وجب عليه ولو عرفت أمانته، ولكن من باب التسوية بين الناس، ومن باب قطع الأسباب التي تؤدي إلى شيء من الخيانة أو التهمة في أداء حقوق الله تعالى أو حقوق ولاة الأمور.
-15- | |
|
| |
MAXMANوطن الحب Admin
المساهمات : 116 تاريخ التسجيل : 18/03/2008
| موضوع: رد: شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية)2( 2008-04-08, 12:23 | |
| بحث في: مسألة المزارعة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والمزارعة جائزة في أصح قولي العلماء، وهي عمل المسلمين على عهد نبيهم وعهد خلفائه الراشدين، وعليها عمل آل أبي بكر وآل عمر وآل عثمان وآل علي وغيرهم من بيوت المهاجرين، وهي قول أكابر الصحابة كابن مسعود وهي مذهب فقهاء الحديث، كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي والبخاري ومحمد بن إسحاق بن خزيمة وأبو بكر بن المنذر وغيرهم، ومذهب الليث بن سعد وابن أبي ليلى وأبي يوسف محمد بن الحسن وغيرهم من فقهاء المسلمين. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع حتى مات عليه الصلاة والسلام ، ولم تزل تلك المعاملة حتى أجلاهم عمر عن خيبر . وكان قد شارطهم أن يعمروها من أموالهم، وكان البذر منهم لا من النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولهذا كان الصحيح من قولي العلماء أن البذر يجوز أن يكون من العامل، بل طائفة من الصحابة قالوا: لا يكون البذر إلا من العامل. والذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- من المخابرة وكراء الأرض قد جاء مفسرا، لأنهم كانوا يشترطون لرب الأرض زرع بقعة معينة، ومثل هذا الشرط باطل بالنص وإجماع العلماء، وهو كما لو شرط في المضاربة لرب المال دراهم معينة، فإن هذا لا يجوز بالاتفاق؛ لأن المعاملة مبناها على العدل، وهذه المعاملات من جنس المشاركات، والمشاركة إنما تكون إذا كان لكل من الشريكين جزء شائع كالثلث والنصف، فإذا جعل لأحدهما شيء مقدر لم يكن ذلك عدلا بل كان ظلما .
-------------------------------------------------------------------------------- في هذا بحث عن نوع من المعاملات التي يتعامل بها المسلمون؛ ومناسبته أن الناس في حاجة إلى الأعمال والحرف اليدوية، وأن أهل تلك المعرفة لا بد أن يكونوا على علم بكيفية العمل فيها. وقد تكلم شيخ الإسلام في هذه الرسالة وفي غيرها على أن على الإمام العام أن يكلف قسما من الناس يتعلمون الحرف التي يحتاج إليها الناس؛ فإن هذا مما يلزم الأئمة؛ لأن الناس سوف يتعطلون إذا لم تحصل لهم تلك المصالح والمنافع ونحوها مما هم بحاجة إليها، ومع ذلك فإن الله تعالى أجرى العادة باختلاف الهمم وباختلاف النيات وباختلاف الميولات مما هو واقع في العالم كله -الإسلامي وغيره- في أن كلا منهم يميل إلى حرفة خاصة تناسبه يجد أن فيها ما يناسبه. فنعرف أن من الناس من تكون همتهم حرث الأرض واستغلالها، ثم هم مع ذلك مختلفون؛ فهذا تكون همته في بذر الحبوب التي هي أقوات كبُرّ وشعير وذرة ونحوها، ويرى أن فيها منفعة وفائدة له في حياته، وآخر يرى أن من المناسب له غرس النخل واستغلالها وما يحصل منها من المنافع، وآخرون تكون رغبتهم في الخضر التي تستغل ويكون لها ثمرة مفيدة تستعمل في الأكل والطبخ ونحو ذلك، وآخرون تكون همتهم في غرس أشجار الفواكه التي يتلذذ بأكلها فيكون همتهم في مثل ذلك أيضا، وآخرون همتهم تربية الدواب هؤلاء يربون مواشي من الإبل وهؤلاء من الغنم وهؤلاء من البقر وهؤلاء مثلا من الطيور كالدجاج وما أشبهه، ولكل ميل يناسبه ورغبة. ويقال أيضا كذلك في الحرف فإن البعض من الناس يناسبه أن يكون حدادا، وآخر يناسبه أن يكون نجارا وآخر خرازا وآخر مثلا غسالا أو خياطا أو حائكا أو غير ذلك من الحرف، وكذلك أيضا الصناعات الجديدة؛ أي صناعة هذا النوع من الأسلحة وصناعة هذه المركوبات مثلا وصناعة هذه الأدوات وهذه الأجهزة وهذه الأواني وما أشبهها، هذا من توفيق الله تعالى. أن جعل لكل ميلا إلى شيء حتى لا يتعطل الناس؛ لو أن الناس كلهم عطلوا حرفة النجارة من أين تنجر الأبواب وما أشبهها؟ ولو أنهم عطلوا حرفة الدباغة أو حرفة الخرازة، الناس بحاجة إلى الأدوات التي تخرز كالأحذية وما أشبهها. نرجع إلى ما ذكره المؤلف من المزارعة؛ يقولون: صفتها أن يكون عند إنسان أرض ولا يقدر على زرعها، وآخر لا يملك أرضا وهو قادر ومتفرغ فيتفقان هذا منه الأرض وهذا منه العمل، ويتفقان أيضا على ما يخرج منها على أن للعامل جزءا ولصاحب الأرض جزءا مشاعا من غلتها. ذكروا أن أهل الجاهلية إذا كان عند أحدهم أرض واتفق مع عامل على أن يزرعها، قال: لي زرع هذه البقعة ولك زرع هذه البقعة، ثم تكون بعض البقع زرعها جيد يأخذها أحدهم والأخرى زرعها رديء فيغبن هذا أو يغبن هذا، فإما أن يتضرر مثلا صاحب الأرض حيث لا يأتيه إلا شيء لا يناسب أجرة أرضه، أو يتضرر العامل حيث لا تغل هذه البقعة إلا شيئا لا يثمن تعبه، فجاء الشرع بإبطال هذا لما فيه من الضرر وأمرهما أن يتفقا على جزء مشاع في جميع ما ينتج من هذه الأرض؛ بأن يقول مثلا: ازرعها ولك ربع ما يخرج أو لك ثلثه أو ثلثاه والباقي لرب الأرض، فهذا جائز؛ لأنه لا ضرر فيه، كل واحد منهما يعرف ما يصير له، يعرف ما يستحقه من الثمر نصفا أو ثلثا أو ثلثين ولا حرج في ذلك. ولا شك أن هذا فيه منفعة للأمة، ليس كل من يملك أرضا يستطيع أن يستغلها، بل يكون عند الإنسان أرض أو قطع أراض كثيرة لا يستطيع أو لا يتفرغ لاستغلالها؛ إما لكبر سن أو لصغر سن أو لأنه منشغل بحرفة يدوية مثلا أو مشتغل بوظيفة أخرى، أو لأنه مثلا لا يحسن العمل أو ليس عنده من يساعده من ولد أو أخ أو نحو ذلك، بينما يوجد عامل أو عمال قد تمرنوا على هذه الحرف التي هي حرث الأرض واستغلالها. فلا شك أن هذا من المصالح؛ المصلحة هاهنا لصاحب الأرض؛ حيث تأتيه أجرة أرضه من غلتها وللعامل حيث يستثمر هذه الأرض فيأخذ من ثمرتها ما يكفيه أو ما يقابل تعبه ويزيد فيكون في ذلك مصلحة لهما، كذلك أيضا مصلحة للآخرين للمواطنين الآخرين حيث يجدون ما يشترونه وما يتغذون به. جعل الله تعالى ذلك من مرافق الأمة ومنافعها؛ دليل ذلك ما ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- لما فتح أرض خيبر كان فيها أشجار ونخيل وكان فيها أراض زراعية ، الذين فتحوها ملكوها، فتحوها بالقوة، فتحوها عَنوة فصارت للمسلمين وانتزعوها من اليهود. ولو كان اليهود هم الذين غرسوا هم الذين أجروا الماء هم الذين حرثوها؛ ولكن لما كانوا كفارا أباح الله للمؤمنين قتال الكفار وأخْذ ما استولوا عليه من أموالهم ومن أراضيهم، كما قال تعالى: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا . فلما أن المسلمين غنموا هذه الأرض كان المسلمون منشغلين؛ منشغلين بالجهاد ومنشغلين بالعلم وبالعمل، وكانوا لا يحسنون أيضا استغلال تلك الأرض؛ زرعها ولا غرسها ولا استثمارها وكان اليهود أعرف منهم بذلك، فقالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- أقرنا فيها على أن نعمل بجزء من ثمرتها فأقرهم، وقال: نقركم ما شئنا وجعل لهم نصف ما يخرج منها من الثمر ومن الزرع، وللمسلمين النصف يفرق بين المالكين بذلك. إذا نضجت ثمرة النخل أرسل إليهم من يخرص ثمرة النخل فيقدرها، ويقول: نقدر هذا البستان مثلا أن فيه ألف رطل أو ألفان فإذا قالوا: أكثرت علينا يقولونه للذي يخرص خيرهم، وقال: قدرته مثلا بألفين فإما أن نأخذ منكم ألفا ونترك لكم الباقي، وإما أن نعطيكم ألفا ونأخذ ما بقي، فقالوا: هذا هو العدل. واستمروا حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلافة أبي بكر وهم فيها يستغلونها ويعطون للمسلمين ما يخرج منها، إذا زرعوا الأرض فلهم نصف الزرع وإذا أثمر التمر فلهم نصف ثمرة التمر، وكذلك إذا كان فيها خضار أو فواكه كالدباء مثلا أو القرع أو الباذنجان، أو ما أشبه ذلك أو الفواكه كالبطيخ وما أشبهه يقسم بينهم. فالحاصل أن هذا دليل على جواز هذا الجنس من المعاملة الذي هو المزارعة والمغارسة. المغارسة: معناها أن يتفق مع إنسان على أن يغرس أرضه شجرا، ثم يكون له نصف ثمر الشجر أو ما أشبهه، وقد يجوز أن تكون الأرض لإنسان لا يقدر على غرسها، فيقول للعامل: اغرسها من النخل فإذا أثمر النخل بعد خمس سنين أو نحوها؛ قسمت الأرض بيني وبينك لي نصف أرض المغروس ولك نصف أرض المغروس؛ فيجوز ذلك، يكون هذا مقابل عمله وهذا مقابل أرضه. وكذلك أيضا يجوز أن يكون هناك إنسان عنده نخل أو شجر يثمر، فيتفق مع العامل على أن يعمل فيها كل سنة بنصف الثمرة أو بربع الثمرة أو نحو ذلك؛ على هذا عمل وعلى هذا أرض وشجر. ويجوز أن يكون البذر من العامل ويجوز أن يكون من المالك، ويجوز أيضا أن يتفقا على أن الأدوات من العامل أو من المالك للأرض. قديما كانت الأدوات هي: الدلاء –الدلو- والرشاء والنواضح التي يسقى عليها، وحديثا كانت الماكينات والمضخات التي تستخرج الماء من أجواف الآبار وتحتاج إلى وقود وإلى أدوات ونحو ذلك، فإذا اتفقا على أن هذه من العامل أو أنها من المالك جاز ذلك فكيفما اتفقا جاز؛ وبهذا نعرف أن الإسلام جاء بما فيه المصالح للمسلمين كل شيء يحتاجون إليه فإنه مما يقره الشرع، ولا حرج فيمن تولى شيئا من هذه الأعمال لمصلحة. كذلك أيضا يجوز أن يستأجر عمالا ويعطيهم أجرة من النقود، فيقول للعامل: تعمل ولك مرتب شهري كذا وكذا، أو يجوز أن يقول مثلا: تعمل في هذه الأرض بأجرة معينة كأنه يؤجره الأرض ليحرثها ويكون العامل مطالبا بكل ما تحتاج إليه الأرض؛ على العامل مثلا قيمة أدوات الحرث وأدوات الغرس، وكذلك أدوات السقي والحفر ونحو ذلك، وصاحب الأرض ليس منه إلا الأرض وله أجرة معينة؛ كما تؤجر العقارات والمساكن بدراهم معلومة كل ذلك مما يقره الشرع؛ لأنه ليس فيه ضرر وليس فيه أيضا غبن ولا جهالة ولا غرر. ومثل ذلك ما أباحه الشرع من المضاربة بجزء من الربح؛ وصورة ذلك أن يكون إنسان عنده دراهم ولكنه لا يتفرغ لاستغلالها والتجارة فيها، وآخر يحسن التجارة ويحسن التصرف في المال وليس عنده دراهم، فيتفقان هذا منه الدراهم وهذا منه الاتجار فيأخذها، ويتفقان على أن لي نصف الربح ولك النصف أو لك الربع ولي ثلاثة الأرباع أو بالعكس؛ يجوز ذلك أيضا، ولا يجوز إذا كان فيها شيء من الضرر على أحد الطرفين فلو قال مثلا: اتجر بها على أن لي كل شهر مثلا مائة أو ألف أو على أن لي من الربح عشرة آلاف والباقي لك؛ فلا يجوز؛ لأنه قد لا يربح إلا هذا المقدار فيكون الثاني ليس له شيء، أما إذا اتفقا على أننا نخضع ونتساوى في الربح والخسران فإن ذلك مما تقره الشريعة، وبكل حال يعرف أن الشرع جاء بمصالح الأمة وأن الأئمة عليهم مراعاة الأمة فيما هو من مصالحهم وإبعاد ما فيه ضرر عليهم في أديانهم وأبدانهم.
-16- | |
|
| |
MAXMANوطن الحب Admin
المساهمات : 116 تاريخ التسجيل : 18/03/2008
| موضوع: رد: شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية)2( 2008-04-08, 12:25 | |
| بيان ما يلزم الوالي من المصالح العامة
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- وقد ظن طائفة من العلماء أن هذه المشاركة من باب الإجارة بعوض مجهول, والمزارعة جائزة في أصح قولي العلماء، وهي عمل المسلمين على عهد نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وعهد خلفائه الراشدين، وعليها عمل آل أبي بكر وآل عمر وآل عثمان وآل علي وغيرهم من بيوت المهاجرين، وهي قول أكابر الصحابة كابن مسعود وهي مذهب فقهاء الحديث، كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي والبخاري ومحمد بن إسحاق بن خزيمة وأبي بكر بن المنذر وغيرهم، ومذهب الليث بن سعد وابن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وغيرهم من فقهاء المسلمين. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر وزرع حتى مات، ولم تزل تلك المعاملة حتى أجلاهم عمر عن خيبر وكان قد شارطهم أن يعمروها من أموالهم، وكان البذر منهم لا من النبي -صلى الله عليه وسلم-. ولهذا كان الصحيح من قولي العلماء أن البذر يجوز أن يكون من العامل، بل طائفة من الصحابة قالوا: لا يكون البذر إلا من العامل، والذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- من المخابرة وكراء الأرض قد جاء مفسرا بأنهم كانوا يشترطون لرب الأرض زرع بقعة معينة، ومثل هذا الشرط باطل بالنص وإجماع العلماء وهو كما لو شرط في المضاربة لرب المال دراهم معينة، فإن هذا لا يجوز بالاتفاق؛ لأن المعاملة مبناها على العدل، وهذه المعاملات من جنس المشاركات. والمشاركة إنما تكون إذا كان لكل من الشريكين جزء شائع كالثلث والنصف، فإذا جعل لأحدهما شيء مقدر لم يكن ذلك عدل بل كان ظلما. وقد ظن طائفة من العلماء أن هذه المشاركات من باب الإجارات بعوض مجهول، فقالوا: القياس يقتضي تحريمها، منهم من حرم المساقاة والمزارعة وأباح المضاربة استحبابا للحاجة، لأن الدراهم لا يمكن إجارتها كما يقول أبو حنيفة ومنهم من أباح المساقاة إما مطلقا كقول مالك القديم للشافعي أو على النخل والعنب كالجديد للشافعي لأن الشجر لا يمكن إجارتها بخلاف الأرض، وأباحوا ما يحتاج إليه من المزارعة تبعا للمساقاة، فأباحوا المزارعة تبعا للمساقاة كقول الشافعي إذا كانت الأرض أغلب، أو قدروا ذلك بالثلث كقول مالك . وأما جمهور السلف وفقهاء الأمصار فقالوا: هذا من باب المشاركة لا من باب الإجارة التي يقصد فيها العمل، فإن مقصود كل منهما ما يحصل من الثمر والزرع، وهما متشاركان: هذا ببدنه وهذا بماله كالمضاربة؛ ولهذا كان الصحيح من قولي العلماء: أن هذه المشاركات إذا فسدت وجب نصيب المثل لا أجرة المثل، فيجب من الربح أو النماء إما نصفه، كما جرت العادة في مثل ذلك، ولا يجب أجرة مقدرة، فإن ذلك قد يستغرق المال وأضعافه، وإنما يجب في الفاسد من العقود نظير ما يجب في الصحيح والواجب في الصحيح ليس هو أجرة مسماة، بل جزء شائع في الربح مسمى فيجب في الفاسد نظير ذلك. المزارعة أصل من المؤاجرة وأقرب إلى العدل والأصول، فإنهما يشتركان في المغنم والمغرم، بخلاف المؤاجرة فإن صاحب الأرض تسلم له الأجرة والمستأجر قد يحصل له زرع وقد لا يحصل، والعلماء مختلفون في جواز هذا وجواز هذا، والصحيح جوازهما. وسواء كانت الأرض مقطعة أو لم تكن مقطعة، وما علمت أحدا من علماء المسلمين؛ لا أهل المذاهب الأربعة ولا غيرهم قال: إن إجارة الإقطاع لا تجوز، وما زال المسلمون يؤجرون الأرض المقطعة من زمن الصحابة إلى زماننا هذا، لكن بعض أهل زماننا ابتدعوا هذا القول، قالوا: لأن المُقَطِّع لا يملك المنفعة، فيصير كالمستعير إذا أكرى الأرض المعارة، وهذا القياس خطأ لوجهين: أحدهما: أن المستعير لم تكن المنفعة حقًّا له، وإنما تبرع له المعير بها، وأما أراضي المسلمين فمنفعتها حق للمسلمين، وولي الأمر قاسم يقسم بينهم حقوقهم ليس متبرعا كالمعير، والمقطّع يستوفي المنفعة بحكم الاستحقاق كما يستوفي الموقوف عليه منافع الوقف وأولى. وإذا جاز للموقوف عليه أن يؤجر الوقف وإن أمكن أن يموت فتنفسخ الإجارة بموته على أصح قولي العلماء؛ فلأن يجوز للمقطع أن يؤجر الإقطاع وإن انفسخت الإجارة بموته أو غير ذلك بطريق الأولى والأحرى. الثاني: إن المعير لو أذن في الإجارة جازت الإجارة مثل الإجارة في الإقطاع. وولي الأمر يأذن للمقطعين في الإجارة، وإنما أقطعهم لينتفعوا بها؛ إما بالمزارعة وإما بالإجارة، ومن حرم الانتفاع بها بالمؤاجرة والمزارعة فقد أفسد على المسلمين دينهم ودنياهم، فإن المساكن كالحوانيت والدور ونحو ذلك لا ينتفع بها المقطع إلا بالإجارة، وأما المزارع والبساتين فينتفع بها بالإجارة وبالمزارعة والمساقاة في الأمر العام، والمرابعة نوع من المزارعة ولا تخرج عن ذلك إلا إذا استكرى بإجارة مقدرة من يعمل له فيها، وهذا لا يكاد يفعله إلا قليل من الناس؛ لأنه قد يخسر ماله ولا يحصل له شيء بخلاف المشاركة فإنهما يشتركان في المغنم والمغرم، فهو أقرب إلى العدل، فلهذا تختاره الفطر السليمة، وهذه المسائل لبسطها موضع آخر. والمقصود هنا: أن ولي الأمر إن أجبر أهل الصناعات على ما يحتاج إليه الناس من صناعاتهم؛ كالفلاحة والحياكة والبناية فإنه يقدر أجرة المثل، فلا يمكِّن المستعمل من نقص أجرة الصانع من ذلك، ولا يمكِّن الصانع من المطالبة بأكثر من ذلك حيث تعين عليه العمل، وهذا من التسعير الواجب.
-------------------------------------------------------------------------------- يتكلم على ما يلزم ولي الأمر من المصالح العامة؛ وذلك لأن البلاد لا تستغني عن الأعمال الدنيوية التي يحتاج إليها الناس، فإذا عطلت تعطل الناس، فيُلزم ولي الأمر طائفة من الناس يقومون بالحراثة بالحرث والزرع ونحوه، وطائفة يقومون بالغراس؛ الغراس في الأرض ونحوها، وطائفة يقومون مثلا بالحدادة وطائفة بالنجارة وطائفة بالدباغة وطائفة بالحجامة وطائفة بالحياكة أو بالخياطة مثلا. وهكذا الحرف كلها لأن الناس بحاجة إليها، فلو أنهم امتنعوا مثلا عن الحياكة فمن أين يلبس الناس ويكتسون، ولو امتنعوا عن الدباغة فمن أين يلبسون حذاء مثلا أو ينتفعون بجلود أو ما أشبهها، فلوليّ الأمر أن يتدخل ويلزم كل طائفة بعمل مما تتم به المصالح العامة. ومعلوم أن الناس بطبائعهم يعملون مثل هذه الأعمال، وتختلف الرغبات، فيكون هناك أناس رغبتهم أن يكونوا مثلا حدادين، وآخرون يرغبون النجارة مثلا، وآخرون يرغبون الدباغة، وآخرون يرغبون النساجة، وآخرون يرغبون الحجامة أو الحلاقة أو ما أشبهها، فكل له رغبة ويكفون حاجة الناس. وكذلك يحصلون عل كسب ومعيشة يقوتون بها أنفسهم، ويكون هذا من الكسب المباح الذي هو خير من سؤال الناس ومِنْ تكففهم، ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إن أطيب ما أكل الرجل من كسب يده أو من كسبه وإن داود كان يأكل من كسبه يعني: أن الله تعالى علمه صنعة في الحدادة وهي صنعة هذه الدروع، قال تعالى: وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ . فإذا احترف الناس بطبائعهم حصلوا على منفعة وكسب يكتسبون به المال المباح، وأغنوا أنفسهم وسدوا حاجة الناس الذين هم بحاجة إلى مثل هذه الأشياء. في هذه الأزمنة قد اكتفي بالأدوات والأجهزة التي تعمل هذه الأشياء، ولكن لا بد لتلك الأجهزة أيضا من أيد عاملة تعملها، فالإمام العام يجعل من يعمل هذه الأعمال ومن يصنع هذه الصناعات حتى تكتفي الأمة بها، وتجد ما تسد حاجتها، والناس غالبا يفعلون ما يروج عند الناس، وبطبعهم يعملون بأيديهم ويكتسبون. فقديما كانت هذه البلاد مستغنية عن أن تستورد شيئا من البلاد الأخرى إلا الشيء القليل؛ وذلك لأنهم تعلموا من آبائهم وأجدادهم الأعمال اليدوية، فيعملون مثلا من خوص النخل أواني كثيرة فرشا وأواني وأغطية ونحوها، ويعملون أيضا من ليف النخل أشياء كثيرة ينتفعون بها، ويعملون من القطن نسيجا يلبسون منه أو يكتسون منه، ويعملون أيضا من أصواف الدواب؛ صوف الضأن وشعر الماعز ووبر الإبل يعملون منه أواني وأكياسا منوعة يبيعون وينتفعون، ويعملون أيضا من جلود بهيمة الأنعام ما ذكر الله تعالى في قوله: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ . فيعملون منها الفرش ويعملون منها الحبال والخيوط ونحوها، والأكياس كبيرة وصغيرة بقدر الحاجة، والأسقية والقرب والأحذية وما أشبهها، فلو مثلا أنهم عطلوا هذه الأشياء لتعطل الناس؛ فلذلك مصلحة الأمة على أن يوجد فيها من يعمل الأعمال التي يحتاج إليها الناس ويستغنون بها في حياتهم. ومن ذلك حرث الأرض وغرسها. الأرض إما أن تكون مملوكة لإنسان وإما أن تكون غير مملوكة له ملكا تاما، وهي التي تسمى مُقْطَعَة؛ الإقطاع: هو أن الإمام يمنح إنسانا أرضا، فيقول: أقطعتك هذه الأرض التي مساحتها مثلا مائة باع أو مائتان أو نحوها، فهذا المقطع يحرثها ويستغلها ويؤخذ منه أجرة لها مثلا لبيت المال أو لصالح المسلمين أو نحو ذلك، وإذا أهملها هذا المُقطَع فإنها تنزع منه وتقطع لآخر أي تمنح له وتؤجر بأجرة محددة. أما إذا كانت مملوكة لشخص؛ فإن المالك لها إما أن يحرثها ويغرسها ويستغلها، وإما أن يؤجرها، وتأجيرها جائز أي: يؤجرها بجزء مما يخرج منها، أو يؤجرها بشيء من غيرها، فإذا أجرها لمن يزرعها وجعل له ربع الزرع أو خمسه صح ذلك، وإذا أجرها بدراهم معلومة صح ذلك؛ كما لو أجر الدار لمن يسكنها أو الدكان لمن يبيع فيه فإن الأجرة فيه إذا كانت معلومة؛ صح العقد. ورد في بعض الأحاديث النهي عن كراء الأرض، ولكن فسروا النهي بشيء كانوا يفعلونه قبل الإسلام فيه شيء من الجهالة؛ وهو أن صاحب الأرض يقول: ازرع الأرض ولي زرع هذه البقعة ولك زرع هذه البقعة؛ يختار بقعة طيبة إذا زرعت أنتجت إنتاجا كبيرا، فيكون ذلك غبنا على أحد الشريكين المالك أو المستأجر؛ يكون فيها ضرر على أحدهما؛ لذلك جاء النهي بأن تؤجر على هذه الحال. وبكل حال فالأصل أن المزارعة معمول بها في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي عهد خلفائه، ولم يكن هناك من ينهى عنها أو ينكرها؛ سواء كانت مملوكة أو مقطعة، وقد زارع وغارس النبي -صلى الله عليه وسلم- وساقى أهل خيبر عليها بنصف أو بشطر ثمارها؛ بشطر ما يخرج منها من ثمر أو من زرع، واستمروا في ذلك إلى أن أجلاهم عمر -رضي الله عنه- في أثناء خلافته لما حصل منهم خيانة، وكذلك أيضا كانوا يُقطِعون كثيرا من الناس أرضا لحرثها. ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- أقطع الزبير حُضْرَ فرسه يعني: أن يُقْطِعَه مدة سعي فرسه إلى أن يقف، وذلك دليل على أنه أقطعه شيئا كثيرا ليحرث فيه ونحو ذلك. كل ذلك دليل على أن هذا من استغلال هذه الأرض وعدم إضاعة منفعتها، وهكذا أيضا من ملك شيئا فإنه لا يضيع منفعته، بل يستغله وينتفع به من الأعيان التي فيها منفعة حتى لا تضيع منفعتها بمرور الزمان. وبكل حال فإن هذا دليل على كمال هذه الشريعة، وأن الشريعة الإسلامية أباحت هذه الحرف وهذه الأعمال التي فيها منفعة، وأن الأئمة وأهل الحسبة لهم أن يتدخلوا في شئون الناس وأن يأخذوا على يد من أخطأ أو ظلم في أمر من الأمور، وأن يرشدوا أهل كل حرفة أو صنعة إلى ما هو الأصلح والأنفع لهم ولأهل البلد ولغيرهم.
-17- | |
|
| |
| شرح كتاب الحسبة لشيخ الإسلام ابن تيمية)2( | |
|