مقدمة الشارح
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين وبعد:
نقرأ
في هذا اليوم أبياتا تتضمن عقيدة أهل السنة والجماعة مع الاختصار
والإيجاز. هذه الأبيات تُنسب إلى شيخ الإسلام أبي العباس أحمد بن عبد
الحليم بن عبد السلام المعروف بابن تيمية شيخ الإسلام، وعَلَم الهداة
الأعلام رحمه الله تعالى، وأكرم مثواه، وهذه الأبيات لم تكن مشهورة، ولأجل
ذلك ما أوردها الشيخ عبد الرحمن بن القاسم في مجموع الفتاوى، ولعله لم
يجزم بأنها لشيخ الإسلام، أو أنها ليست من الفتاوى التي لها مكانتها، ولا
شك أنها عقيدة لها أهميتها، ولو كانت مختصرة .
تضمنت مجمل عقيدة أهل
السنة، وتضمنت القول الصحيح الذي عليه أئمة الإسلام من سلف الأمة وأئمتها،
وقد جزم بصحتها عن شيخ الإسلام الشيخ العالم محمد الغنامي -رحمه الله-
وطبعها في رسالته التي هي بعنوان: القول السديد في عقيدة التوحيد وطبعت
قديما، وقرأتها يمكن قبل خمس وخمسين سنة أو نحوها.
جزم بأنها لشيخ
الإسلام، ورأيتها أيضا مكتوبة عند أحد أجدادنا بخط قديم في صفحة واحدة؛
ولكنه ذكر قال: هذه أبيات تُنسب إلى شيخ الإسلام، ولا شك أن اشتهارها يدل
على مكانتها، وعلى أنها من نظمه رحمه الله تعالى، وأيضا قد شرحها بعض
المتأخرين، شرحها المرداوي وطبع شرحه محققا، وجزم بأنها لشيخ الإسلام رحمه
الله، وذلك علامة على شهرتها وعلى مكانتها.
ومع ذلك فإن علماء
الحنابلة قديما لم يهتموا بشرحها، ولم يهتموا أيضا بكتب العقائد، وإنما
جهدهم ينصب على كتب الفقه، أو على الأحكام الذي تميزوا به؛ وذلك لأن أمر
العقيدة ليس مختصًا بمذهب دون مذهب؛ بل جميع أهل المذاهب كلهم على عقيدة
واحدة .
-1-شرح لامية شيخ الإسلام ابن تيمية إحياء ابن تيمية لعقيدة أهل السنة والجماعة
لكن
شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- تميز بإحياء عقيدة أهل السنة والجماعة
وذلك أن السلف-رحمهم الله- الذين هم الصحابة، والتابعون وتابعو التابعين،
والأئمة الأربعة، وأهل الكتب الستة البخاري ومسلم وأهل السنن الأربعة، ومن
في زمانهم كانوا كلهم على عقيدة واحدة، وهي عقيدة أهل السنة، ولم يكن
بينهم خلاف في هذه العقيدة مع أنه قد نشأ بينهم مبتدعة الذين سموهم
المعتزلة، أو سموهم الجهمية نَشَئوا بينهم، وصاروا يجادلون على ما هم عليه
من الباطل، وأكثروا من الجدال، ولكن كان السلف -رحمهم الله- يمنعون من
مناظرتهم، ومن سماع كلامهم.
ظهور الجهمية والمعتزلة وموقف السلف منهم
من
أمثال رجل يقال له: الجعد بن درهم ظهر في أول القرن الثاني، وقتل على هذه
العقيدة أنكر أن الله تعالى موصوف بالمحبة، موصوف بالخلة، وقال: إن الله
لم يتخذ إبراهيم خليلا، وأنكر صفة الكلام وقال: إن الله لا يتكلم؛ فأنكر
أن يكون الله كلم موسى تكليما، فعند ذلك أخبر عند أمير في العراق، وهو
خالد القسري فقتله في يوم العيد، في يوم عيد الأضحى وقال: هو أضحيتي خطب
الناس وقال: أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم
إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولا كلم موسى تكليما تعالى الله
عما يقول الجعد ثم نزل فذبحه، وفي ذلك يقول ابن القيم -رحمه الله-
ولأجل ذا ضـحى بجعـد خالد
القسري يـوم ذبائـح القربـان
إذ قـال إبـراهيـم ليس خليله
كلا ولا مـوسى الكليـم الـداني
شكر الضحية كـل صاحب سنة
للـه درك مـن أخـي قـربان
وأخذ
هذه المقالة عنه الجهم بن صفوان الذي فتن الناس، والذي أظهر هذه المقالة،
فأنكر أن يكون الله تعالى على العرش استوى، وأنكر أن يكون الله فوق عباده،
وأنكر أن يكون الله متكلما بكلام مسموع، وأنكر صفات الله الفعلية وصفاته
الذاتية، وأنكر دلالة أسماء الله تعالى على صفات .
وورثه المعتزلة،
ولا يزالون إلى اليوم على هذا المعتقد السيئ؛ ورثوا منه هذه المقالة التي
هي من أسوأ المقالات؛ حيث يدعي عدم دلالة الآيات على صفات، وكذلك يدعيه
أتباعه قتله سلم بن أحوز -رحمه الله- ولكن بعد أن اشتهرت مقالته، وتمكنت
في كثير من الناس، فتمكنت في هؤلاء المعتزلة .
وخرج أيضا منهم بشر بن
غياث المريسي الذي نشأ في القرن الثاني، ونشر أيضا هذه العقيدة، وتتلمذ
عليه تلميذ يقال له: محمد بن شجاع الثلجي وكتب عقيدته في رسالة فيها تحريف
الآيات، وفيها الكذب، وفيها يدعي أن الله عليم بلا علم، وأن الله سميع بلا
سمع، وبصير بلا بصر، وقدير بلا قدرة، ونحو ذلك من تعطيل الآيات عن
دلالاتها، وردَّ عليه العالم المشهور عثمان بن سعيد الدارمي -رحمه الله-
ورده موجود اسمه رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد
يتبين من رده قول أهل السنة؛ وذلك لأنه أيد كلامه بالأدلة وبالنصوص، ثم إن
عثمان -رحمه الله- رد أيضا على الجهمية برسالة أيضا مطبوعة الرد على
الجهمية لعثمان الدارمي مما يدل على أن السلف -رحمهم الله- ما سكتوا، وأن
كلهم على هذه العقيدة .
-3-
محنة الإمام أحمد بن حنبل
كذلك
أخذ هذه العقيدة أيضا رجل يقال له: ابن أبي دؤاد وتمكنت العقيدة السيئة من
قلبه، ومع الأسف كان مستشارا عند الخليفة المأمون العباسي ؛ فزين للخليفة
هذه العقيدة، ومنها أن الله لا يتكلم، وأن القرآن مخلوق ليس هو كلام الله،
ولما زين ذلك للخليفة دعاه إلى أن يمتحن الناس، ويلزمهم على هذه العقيدة،
ويجبرهم عليها؛ فوافقه الخليفة، وقد أوذي في زمانه أهل الحديث، ووصل الأمر
إلى إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -رحمه الله- ولكن دعا الإمام ربه ألا
يريه وجه المأمون فاستجاب الله دعوته، ومات المأمون قبل أن يأتي الإمام
أحمد ولكن تولى بعده أخوه المعتصم ووافق ابن أبي دؤاد على المحنة، وامتحن
الإمام أحمد على هذه العقيدة أخذوا يقولون له: قل: إن القرآن مخلوق، وقل:
إن الله لا يتكلم وإلا ضربناك، وضربوه ضربا شديدا ويقول عند الضرب:
لــست بتابـع يـا ويحكم
لكـمـو بــلا بـرهـان
أترون أني خائف من ضربكم
لا والإلـه الواحـد المنـان
فصبر
على الحبس والضيق أكثر من عشرين شهرا قريبا من سنتين، وهو تحت السجن، وتحت
الحبس والأذى؛ ولكنه لم يوافقهم حتى يقول أحدهم في أذنيه: قل في أذني: إن
الله لا يتكلم، وأن القرآن مخلوق، وأنجيك من هذا السجن فقال له: بل قل
أنت: إن الله يتكلم، وأن القرآن كلام الله، وأرجو أن أشفع لك عند الله .
واستمر
على ذلك إلى أن تولى بعده ابنه الواثق ثم ابنه المتوكل الذي نصر السنة،
وأكرم الإمام أحمد -رحمه الله- وانتشرت السنة، وتمكن أهل السنة؛ ولكن مع
الأسف في القرن الرابع اختفى أمر السنة، وكاد أن يتمضحل، وصاروا يعتقدون
معتقد الأشعري والكرامي وابن كلاب وظهر أيضا معتقد المعتزلة .
ظهر
رجل يُقال له: أبو الهذيل العلاف على معتقد المعتزلة في تعطيل الله عن
الأسماء والصفات، وكذلك أبو هاشم الجبائي والجاحظ ونحوهم من المعتزلة
الذين كتبوا في هذه الاعتقادات .
جهر ابن تيمية بمعتقد أهل السنة في الأسماء والصفات
وكاد
مذهب أهل السنة أن يضمحل إلى أن جاء زمن شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية
فجهر بهذا المعتقد، ولما جهر به خالف أهل زمانه وقالوا له: خالفتنا وأظهرت
ما ليس بظاهر عندنا تقول: إن الله فوق عباده، وتقول: إن الله على العرش
بذاته، وتقول: إن الله ينزل من السماء كما يشاء، وتقول: إن القرآن كلام
الله حروفه ومعانيه هذا يخالفنا .
ولما كان لشيخ الإسلام مكانة عند
الناس يحترمونه، ويحبونه خاف أهل زمانه أن ينخدعوا به؛ لأنه له شهرة كان
من علماء زمانه في دمشق الشام علماء مشهورون منهم ابن الزَّملكاني والتقي
السبكي وأشباههم، فرفعوا أمره إلى السلطان لما ألف رسالة كبيرة أو متوسطة؛
وهي الرسالة الحَموية المطبوعة المشهورة فقالوا: هذا يخالفنا، ويخالف ما
نحن عليه. السلطان في ذلك الوقت يرى شهرته وغلبته لهم، فقال لهم: هذا
حنبلي، وأنتم شافعية، فدعوه على معتقده؛ معتقد إمامه ابن حنبل اتركوه على
عقيدته .
فقال شيخ الإسلام رحمه الله: معاذ الله أن يكون هذا المعتقد
معتقد أحمد فقط؛ بل إنه معتقد الأئمة الأربعة عليه الشافعي ومالك وأبو
حنيفة وعليه سفيان الثوري وابن عيينة والليث بن سعد والأوزاعي وغيرهم من
أئمة السلف ائتوني بنص واحد يدل على أنهم يقولون بقولكم؛ ينفون صفات الله
تعالى .
-5-محاجَّة ابن تيمية لمخالفيه ومحنة السجن
ولما
اشتهر -رحمه الله- بهذا القول خاف أيضا أهل مصر أن ينخدع الناس به -في
نظرهم- وأن يشتهر قوله، فطلبوا من السلطان أن يرسله إليهم في مصر ليجادلوه
في زعمهم؛ فذهب على البريد من دمشق إلى مصر وقطع المسافة سيرا ليلا ونهارا
في سبعة أيام، ولما جاء إلى مصر انتصب له رجل شافعي يُقال له: ابن عدوان
وقال: أنا أجادله، وترافعوا إلى رجل حنفي يُقال له: ابن مخلوف يسمونه قاضي
القضاة، فلما حضر عند ابن مخلوف قال له ابن عدوان إني أدعي على هذا الرجل
أنه يقول: إن الله على العرش بذاته، وأن الله يتكلم بحرف وصوت، وأن الله
يسمع بسمع، ويبصر ببصر، فعند ذلك قال له ابن مخلوف ما تقول يا فقيه؟
ابتدأ
شيخ الإسلام -رحمه الله- بحمد الله تعالى والثناء عليه، وكأنه أطال فقالوا
له: ما جئنا بك لتخطب إنما جئنا بك لتحتج، فقال لهم: فمن الحَكم بيننا؟
فقالوا: القاضي ابن مخلوف فقال: كيف يقضي، وكيف يحكم، وهو ضدنا، وهو
خصمي؟! لا أقبله، فغضب ابن مخلوف وقال: هذا جدلي أدخلوه السجن، أُدخل في
السجن، وجلس فيه نحو سنتين، ولكنه لم يُعَذب، بل في سجن له أبواب، وله
منافذ يزوره أهل الخير، ويأتونه بأوراق، ويأتونه بحبر، ويسألونه، فيكتب
أجوبة حتى كتب مجلدات، جمعت تلك الكتابات وسميت الفتاوى المصرية .
ولما
خرج من السجن المرة الأولى أنكر على بعض المتصوفة، والحلولية ورفعوا أمره
أيضا إلى السلطان فأمر بسجنه، ولم يزل كلما خرج أنكر على طائفة من
المبتدعة، وكان لهم مكانة عند السلطان؛ فيأمرون بسجنه، واستمر في مصر نحو
سبع سنين أي: من سنة سبعمائة وخمسة إلى سنة سبعمائة واثني عشر، يسر الله
وخلوا سبيله، ورجع إلى دمشق وحصلت أيضا مناظرة له في دمشق على عقيدته،
فأخبر العقيدة الواسطية، وقرأها أحد تلاميذه وأخذوا يجادلونه في أمر
العقيدة؛ ولكنه ظهر عليهم بالحُجة، وبين لهم الدليل والصواب .
العقيدة
الواسطية أيضا مختصرة، وفيها عقيدة أهل السنة؛ ومع الأسف ما أحد شرحها من
الحنابلة، ولا من غيرهم طوال هذه القرون إلا قريبا من نحو أربعين سنة
ابتدأ في شرحها بعض مشائخنا وشرحوها، وشُرحت بعدة شروح في هذه السنوات
القريبة .
نعود نقول: إن هذه المنظومة مما يهمّ حفظها، وذلك
لسهولتها؛ ولأنها متضمنة لخلاصة عقيدة أهل السنة، وإن لم تذكر فيها
التفاصيل، فلذلك نحب أن نتكلم على أبياتها في هذا اليوم بما تيسر والآن
نبدأ فيها .
-6-
مذهب وعقيدة ابن تيمية
قال الإمام شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية الحراني - رحمه الله-
يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي
رُزِق الهدى مَن للهداية يسأل
اسمـع كـلام محقق في قوله
لا ينثني عنه ولا يـــتبدل
حب الصحابة كلهم لي مذهب
ومودة القربى بها أتـوسـل
ولكلــهم قدر عَلا وفضائـل
لكنمـا الصِّدِّيق منهم أفضل
وأقول في القرآن ما جاءت به
آياته فهـو الكــريم المنزل
--------------------------------------------------------------------------------
هكذا ابتدأ في هذه العقيدة بهذه المقدمة جواب لسائل، سائل سأله:
يا سـائلي عن مذهبي وعقيدتي
رُزِق الهدى مَن للهداية يسأل
والسائل كأنه أحب أن تكون الأجوبة بالنظم؛ لأنه يَسهُل حفظه .
وشيخ
الإسلام -رحمه الله- ليس مشهورا بنظم الشعر، ولكنه لا يصعب عليه، يدل عليه
منظومته التائية التي في القَدَر؛ ذلك لأن أحد الزنادقة دخل عليه وهو بين
تلاميذه، ورفع إليه أبياتا يعترض فيها على القَدَر، وهي التي يقول فيها:
أيا علماء الدين دمنا مجيئكـم
تحير دلــوه على خـير ملة
إذا ما قضى ربي بطردي وشقوتي
وحكَّم إبعادي فما وجه حيلتي
دعاني وسد الباب دونه فهل إلى
دخولي سبيل بينوا لي حجتي
شيخ
الإسلام أخذ ورقة وقلما، وأخذ يكتب، والناس حوله يظنون أنه يكتب نثرا،
وإذا هو يكتب نظما في ذلك المجلس، فكتب جوابه في نحو مائة وعشرين بيتا
ابتدأها بقوله:
سـؤالك يا هذا سؤال معاند
يخاصم رب العرش باري البرية
وتُدعى خصوم الله يوم معادهم
إلى النار طرا معشر القـدرية
سواء نفوه أو سعوا ليجادلوا
به الله أو ماروا به في الخليقة
إلى
أن كمل نحو مائة وعشرين أو مائة وثلاثين، وتعرف بالتائية، وقد شرحها الشيخ
عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- وشرحه مطبوع، ولم يشرحها أحد فيما سبق
فيما أعلم مما يدل على أنه متمكن في نظم الشعر، ومع ذلك يعترف بأنه ليس من
الشعراء المشهورين الذين نظم الشعر يكون سهلا عليهم؛ ولذلك لم يكثر شعره .
ذكر مرة أنه رفع إليه لغز فحله بنظم، وهذا اللغز في مدح العلم يوجد
مطبوعا في أول كتابه المنهاج منهاج السنة منظومة طويلة نونية في نظم
العلم. اللغز في أبيات نونية، وكذلك الجواب مما يدل على أنه متمكن أن يقول
الشعر .
-7-
من سأل العلم للهداية حصَّله
يقول في هذه العقيدة:
يا سائلي عن مذهـبي وعقيدتي
رزق الهدى من للهداية يسأل
يعني:
إذا كنت تسأل للهداية، فأبشر فإن دعوة شيخ الإسلام لك بالهداية يرجى أن
تكون مستجابة؛ وذلك لأنه من عباد الله الصالحين، ولا نزكي على الله أحدا،
وقد ذكروا في ترجمته أمورا تدل على إجابة دعوته؛ فلذلك يرجى أن من كان
قصده الهداية أن يُوفق إذا طلب الهُدى .
وقوله: عن مذهبي يراد به
-هاهنا- المذهب في الأصول؛ ليس المذهب في الفروع هو -رحمه الله- مذهبه في
الفروع مذهب الإمام أحمد ولكن مع ذلك كان يختار ما يناسب المقام، وما يدل
عليه الدليل، ما تقيد بمذهب معين؛ بل خالف المذاهب الأربعة في نحو ست عشرة
مسألة جمعها بعض تلاميذه؛ وذلك لأنه بلغ رتبة الاجتهاد وصارت له مكانة .
-8-
مؤلفات ابن تيمية في العقيدة وغيرها
وأما
أمر العقيدة فقد أكثر من الكتابة فيها، ويدل على ذلك مؤلفاته التي طبعت
وانتشر كثير منها، مجموع الفتاوى، الذي هو خمسة وثلاثون مجلدا؛ الستة
الأولى كلها في الأسماء والصفات وفي التوحيد، والسابع في الإيمان، والثامن
في القضاء والقدر، والتاسع في المنطق، والعاشر والحادي عشر في السلوك، وفي
التصوف، والثاني عشر في أن القرآن كلام الله، والثالث عشر، والرابع عشر،
والخامس عشر، والسادس عشر في التفسير، والسابع عشر في الحديث ثم بعد ذلك
ابتدأ في أصول الفقه، ثم في الفقه مما يدل على أنه اعتنى بالعقيدة، وله
أيضا كتب مفردة في العقيدة منها كتاب العقل والنقل ذكره ابن القيم بقوله
في النونية:
واقرأ كتـاب العقل والنقل الذي
ما في الوجود لـه نظـير ثان
وقد
طُبع محققا في نحو عشرة مجلدات، ومنها كتاب المنهاج في الرد على ابن
المطهر الرافضي طبع أيضا محققا في عشرة مجلدات، وأكثره في أمر العقيدة
المجلدات الأوَل في أمر العقيدة، ثم في مناقشة ابن المطهر مما يدل على أنه
-رحمه الله- أولى أمر العقيدة اهتماما كبيرا، ولكنه أراد بهذه المنظومة أن
يلخص ما يدور حول العقيدة بهذه الأبيات فهو يقول:
.................................
رُزِق الهـدى مـن للهداية يسأل
اسمع كـلام محقـق فـي قـوله
لا ينثني عنه ولا يـتـبـدل
يعني
أنني أقول هذا القول عن تحقيق، وليس عن ظن، ولا عن تخرص، ولكني جازم بصحة
ما أقول، وجازم بذلك عن قلب لا أنثني عن هذه العقيدة، ولا أتبدل، ولا أبغي
غيرها. لماذا؟ لأن العقيدة هي ما يعقد عليه القلب، وأكثرها من الأمور
الغيبية التي فرضها الله تعالى، وأخبر بأدلتها، فإن الأصل أن العقيدة هي
الإيمان بالغيبيات، وبما غاب عنا، كل شيء غاب عنا وأخبرنا به ربنا، أو
أخبرنا به نبينا -صلى الله عليه وسلم- فإن إيماننا به جزم ويقين نسميه
عقيدة، ومن ذلك الإيمان بكلام الله تعالى، وأنه يتكلم به حقا إلى آخر ذلك:
اسمع كـلام محقـق فـي قـوله
لا ينثني عنه ولا يـتـبـدل
-9-
حب الصحابة من العقيدة
ابتدأ هذه الأبيات بالقول في الصحابة:
حـب الصحـابـة كلهـم لي مذهب
ومـودة القـربى بـهـا أتوسـل
ولكلـهـم قـدر عـلا وفـضـائل
لكنمـا الـصدِّيـق منهـم أفـضـل
قد
كنت في أول ابتدائي للقراءة في حدود سنة ثلاث وستين عثرت على هذه الأبيات،
وعثرت عليها في كتاب اليماني على عقيدة الكلوذاني .. في ذلك عن القول
السديد في أمر التوحيد .
ولما رأيت الكلام في الصحابة؛ تعجبت كيف يدخل في العقيدة أمر الصحابة .
مع
أن الصحابة هم الذين بادروا إلى الإسلام، وهم الذين نصروا الله ورسوله،
فكنت أستغرب، أن إدخال أمر الصحابة في العقيدة لا مُناسبة له؛ ولكن بعد
ذلك، وبعدما سمعنا كثرة من يطعن في الصحابة، ويضللهم، ويكفرهم، عرفنا أن
السلف -رحمهم الله- اهتموا بفضل الصحابة ردا على من يكفرهم .
فلذلك
أكثروا من ذكر فضائلهم في المؤلفات الخاصة، وفي المؤلفات العامة. لما حدث
هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالشيعة، وسماهم السلف بالرافضة، وسبب حدوثهم في
العراق في القرن الأول وما بعده، كان عليّ -رضي الله عنه- لما كان في
العراق كان محبوبا عند أهل العراق ؛ لحسن سيرته، ولحسن إيمانه، فكانوا
يحبونه حبا شديدا، وكان أهل الشام الذين مع معاوية يتهمونه بأنه تمالأ مع
غيره على قتل عثمان فلذلك كانوا يُظهرون كراهيته، ولما تولى على العراق
الأمير المشهور الحجاج بن يوسف في حدود سنة ثلاث وسبعين، أو أربع وسبعين
صار يرى من أهل العراق محبتهم لعليّ حبا شديدا، فيحب أنه يظهر لهم
كراهيته، فكان يأمر الخطباء أن يسبوه على منابر العراق .
-10-